بقلم : أيمن بحر
يعُج تاريخ العرب قبل الأسلام بالأخبار منها ما هو حقيقي و منها ما هو من الأساطير و لا يستطيع ان يُجزم أحد بما هو صحيح و ما هو غير ذلك فكل خبر غير ما جاء في كتاب الله غير مؤكد و لا أراه موثق و كثيرا من الناس في التاريخ قد بقت ذكراهم و ان اختلفت فمن البشر من نعرفهم دون ان نراهم و هم في بريق و سطوع الذكر و منهم كما يقولون في مزبلة التاريخ
فمثلاً أبو بكر الصديق رضي الله عنه من منا لا يعرف مقامه و كذلك كلنا نسمع بأبا جهل عليه من الله ما يستحقه لكن هيهات بينهما.
و مما وصلنا عن بعض قصص من كانوا علي التوحيد قبل بعثة الرسول صل الله عليه و سلم و منهم من ادركه النبي صل الله عليه و سلم ولم يدركوا هم بعثته الشريفه ورقة بن نوفل و لعله اشهرهم و كلنا تقريباً نعرف قصته و ذُكر ايضاً لنا زيد بن عمرو بن نفيل و توفي قبل بعثة النبي صل الله عليه و سلم بخمس سنوات و كان لا يعبد الأصنام و يري ان للكون رباً واحد و ان كل تلك الأصنام لا تضُر و لا تنفع فكان علي عقله و فطرته السليمه الذي يخلق الله الناس عليها أخذ زيد بن عمرو بن نفيل يبحث عن من يدله كيفية عبادة الله الواحد الأحد فُدل علي رجل يهودياً قيل له انه أعلم أهل الأرض حينها فسافر اليه بن نفيل و شرح العالم اليهودي له معتقده فأراد ان يعتنق بن نفيل اليهوديه.
فقال له الحبر اليهودي : لكي تكن يهودياً لا بد ان يغضب عليك الله اولاً ثم تستغفره
قال زيد بن عمرو : ما جئت اسئلك الا لأفر من غضب الله دلني علي غير ذلك قال الحبر : دين ابراهيم
زيد بن عمرو : و كيف أدخل فيه
الحبر : لا أعلم عنه الا ان تكون حنيفاً فلم يبقي من علمائه احد
زيد بن عمرو : دلني علي غير ذلك
فدله الحبر علي عالم من النصاري
ذهب زيد بن عمرو بن نفيل الي القس و سئله ما سئل الحبر من قبله فأخبره القس انه لا بد ان يُضل ثم يتوب الي الله ليدخل في النصرانية فرفض زيد بن عمرو بن نفيل و سئله ان يدله علي غير ذلك.
فاخبره القس الا ان تكون علي ملة ابراهيم حنيفاً و لم يكن القس يفوق الحبر علم عن دين ابراهيم غير ذلك عاد زيد بن عمرو بن نفيل الي مكه و في طريقه شهد انه علي ملة ابراهيم حنيفاً و تبرأ من عبادة الأصنام بدأ زيد بن عمرو بن نفيل يدعوا قومه الي ترك عبادة الأوثان و الأيمان بان للكون الهاً واحد و كان يجلس متكئاً الي الكعبة و ينهي قومه و هم يطوفون عن تلبية الشرك و ممن ذُكر انهم كانوا من الموحدين ايضاً قبل البعثة الشريفه قس بن ساعدة الإيادي و كان ينهي قومه عن عبادة الأصنام و يدعوهم الي الايمان برب واحد و كان يؤمن بالبعث بعد الموت الا ان قريش لم تصبر علي ذلك و طردوه خارج مكه عاش قس بن ساعدة الإيادي بالصحراء خارج مكه و قيل انه شوهد يشرب مع الأسود بعد ان عاش معهم و الفهم و قد مات ايضاً قبل البعثة النبوية الشريفه.
و ممن ذُكر لنا انهم من الموحدين قبل البعثة الخاتمة سويد بن صامت الأوسي و
أبو عامر بن صيفي و أمية بن أبي الصلت لكن بعد بناء سيدنا ابراهيم للكعبة و أمره الله بالأذان للحج اليها صارت شبه جزيرة العرب كلها علي الأسلام و الحنيفيه لسنوات و سنوات فما الذي حدث و بدل دينهم و متي كانت عبادة الأصنام لأول_مره في أهل شبه الجزيرة و جعلهم يعبدونها عياذ بالله بجانب عبادتهم و ايمانهم بالله الواحد الأحدلكن قبل ان أجيب علي ذلك السؤال يجب في البداية ان أشير الي شئ مهم جداً و لا ينبغي ان أمر عليه مرور الكرام و خطأ أراه و للأسف ربما يقع فيه أكثر من يدعونهم بعلماء و هي الحنيفيه.
الحنيفيه تُفهم علي انها دين غير الأسلام و ان كان دين توحيد كما هو الحال في اليهودية الغير مٌحرفة و النصرانية السليمه و هذا غير صحيح و تأباه الفطرة السليمة و ان فهمه علي ذلك أشهر العلماء.
(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
هنا في الاية الكريمة يأُكد الله عز و جل ان ابراهيم عليه السلام ما كان الا حنيفاً مسلماً و جاءت مسلماً للتأكيد علي معني حنيفاً التي سبقتها كأقول لك مثلاً و لله المثل الاعلي : هذا الطالب مجتهد نشيط فالكلمتين بمعني واحد و وصف واحد و لكن ذكرهما متتاليتين للتأكيد علي المعني
كم ان ما أُرسل به موسي عليه السلام ديانة أو رسالة دينها الأسلامو ما أرسل الله به عيسي عليه السلام ديانه دينها الأسلام.
كذلك ما أُرسل به ابراهيم عليه السلام و كل الانبياء من ادم الي نبينا الخاتم عليهم الصلاة و السلام اجمعين و ان أختلفت الشرائع و الأحكام فالدين واحد و هوالأسلام و الأشارات الي ذلك في القران كثيرة لا يتسع المجال لذكرها الان الا انني استدل باية واحدة الان جامعة لتوثيق ان الدين واحد و هو الأسلام.
(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)
في الاية الكريمة تأكيد ان الدين عند الله واحد و ان اختلفت الشرائع التي امر بها الله
و ما جاء الأختلاف في ان الدين هو الاسلام الا لبغي بعض الذين اوتوا الكتاب. و سميت الرسالة الخاتمة بأسم الدين قيل لتكريمها لانها الرسالة السماوية الخاتمة و الباقية الي ان يرث الله الأرض ومن عليها و قيل لتكريم النبي الخاتم سيدنا محمد صل الله عليه و سلم و أري انها لكلا السببين. اما ما حدث و كيف كانت عبادة الأصنام لأول_مره في شبة جزيرة العرب كانت علي يد فاجر من العرب قاتل أهل قبيلة خوزاعه قبيلة جرهم و انتصروا عليهم و سيطروا علي حُكم مكة و لكنهم قبل ان يلحقوا الهزيمة بقبيلة جرهم و يسيطروا علي مكه كانت جرهم قد عاقبتهم و دفنوا زمزم و لم يُعرف لها علي مكان الي ان حفرها فيما بعد شيبه (عبدالمطلب) جد النبي صل الله عليه و سلم مما أطر خوزاعه الي ان تأتي بالماء من علي روؤس الجبال لتسقي الحجيج.
من بين ممن حكموا مكة من قبيلة خوزاعه شخص يدعي عمرو بن لحي و كان شديد الثراء و الكرم حتي انه كان يُطعم و يسقي الحجيج وحده و كان بن لحي لا يرد له طلب في العرب
سافر عمرو بن لحي الي الشام ذات مره و رأي قبيله تسمي بالعماليق يعبدون الأصنام وسئلهم عن ذلك فقالوا له انها تقربنا الي الله و ندعوا لها اذا اشتد علينا أمر راق هذا الفجور لعمرو و هم ان يعود الي مكة بصنم.
عاد عمرو بن لحي الي مكة و كانت بحوزتة تلك المره صنم يُسمي هُبل و وضعه في الكعبه و أمر الناس ان يعبدوه فأطاعوه (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) فمن يطيع الظالم و ينفذ له ما أراده يشاركه في ذنبه و فسقه و تلك أول مره يُشرك بعباده الله في شبه الجزيرة العربيه و يُعبد عياذ بالله مع الله صنم.
ثم انه ادخل اصنام اخري للكعبه و امر كل قبيلة بعبادة اله لها فمثلا اتخذت قريش هُبل الها مع الله و اتخذت بني كلب ود و اتخذت همزان يعوق و أهل اليمن نَسر و بني هزيل أتخذت سواع
ثم ادخل عمرو بن لحي اساف و نائله الي الكعبه و عبدا مع الأصنام الأخري التي كانت بالكعبه بعدما كانا حجرين وضع احدهما علي الصفا و الاخر علي المروه ليعتبر الناس بمسخهما حجرين بعد فجورهما بالكعبه.
لم يكتفي عمرو بن لحي فأمر ان من الانعام الذي لا يُمس و لا يُذبح و لا يُركب بعد ان يولد له عشرة من الفحول و سماه الحامي و اوجد البحيرة و غير ذلك من الشرك حتي انه زاد علي تلبية الحج الا شريك هو لك تملكه و ما ملك.
و كان هذا أول عبادة للأصنام في شبة جزيرة العرب بيد هذا الفاجر
كن حذر فيما تفعله او تتخذه من قرارات وخصوصاً إن كنت مسئولا او راع فمن سار علي نهجك بخير او شر ستُحاسب عليه كما تراعي ما تنشره من افكار وأخبار عن الناس.