قصة قصيرة …”مَوَقِفُ طَرِيفُ “
بقلم دكتور …محسن معالي
حيُّ غِيطُ الصِّعِيدِي
في إِحْدَى أُمْسِيَاتِ اللَّيِالِي الشِّتوِيَّةِ ، أَثنَاءَ عَوْدَةِ محمود مِنْ مَدْرَسَةِ التَربِيَّةِ الاستِقلالِيةِ ، تِلْكَ المَدْرَسَةُ التِي كَانَ يَدْرُسُ بِهَا فِي نَوعٍ مِنَ التَّعلِيمٍ المَنزِلي يُسَمَّى (قِسمُ لَيلي) وُهُوَ تَعلِيمٌ كَانَ مُخَصَّصًا لِمَنْ فَاتَهُمْ قِطَارُ التَعليمِ لِظُرُوفٍ خَارِجَةٍ عَنْ إِرَادَتِهِمْ ، وَكَانتْ لَدَيهُمْ الرَّغْبَةُ في التَعلِيمِ ، وَتَحسينِ المُستَوى العِلْمِي .
كَانَ يُدِيرُ هَذِهِ المَدرَسَةَ الأستَاذُ مُحَمَّدُ عَبدِ الحَمِيدِ ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ /مُحمدَ كَشكُول ، لأَنَّهُ كَانَ يُدَّرِسُ أَيَّةَ مَادَةِ يَتَغَيَّبُ المُدَرِّسُ الذِي يُدَرِّسُهَا ، وَذَلِكَ لأَنَّ المَوادَ الدِّرَاسِيَّةَ سَهْلَةٌ بِالنِّسَبَةِ لَهُ ، ولعدم تعطيلِ الحصَّةِ.
وَكَانَ ذَلكَ في فَبْرَاير 1973م ، وَكَانْ سِنِّ ( محمود) آنذَاكَ تِسعَةَ عَشَرَ عَامًا .
وَفِي الطَّريقِ أَثنَاءَ مُرُورِه بِسُوقِ حيِّ غِيطِ الصِّعِيدِي بِجُوَارِ سُورِ مُسْتَشْفَى الحُمِّيَّاتِ ، وَهَذَا طَرِيقُهُ المُعتَادُ يَومِيًّا بَيْنَ المَدْرَسَةِ وَبَيْتِهِ .
فَجْأةً تَقَدَّمَ نَحوِه شَابٌّ حَسَنُ الهِندَامِ ، تَبْدُو عَلَى وَجْهِهِ سِمَاتُ الأَدَبِ، واعترضَ طَرِيقَهُ ، سَألَهُ في أَدَبٍ جَمٍّ قَائِلًا : لو سَمَحْتَ : ( أَنتَ فِي سَنَةِ كم دِرَاسِيَّةِ؟)!!
فَقَدْ كَانَ (محمود) حَسَنَ المَظهَرِ، مُتَأنِّقًا في ثِيَابِهِ، وَاثِقًا مِنْ نَفسِهِ مُعْتَدًا بخُطُوَاتِهِ.
فُوجِئَ بِالسُّؤَالِ غيرَ أَنَّهُ ابتَسَمَ ، وَرَدَّ في تلقَائِيَّةٍ شَدِيدَةٍ : بِأَنَّهُ في الصَّفِ الأَوَّلِ الإعدادي.
– فَظَهَرَ عَلَى السَّائِلِ شَيءٌ مِنَ الارتِبَاكِ ، ثُّمُ اعْتَذَرَ ، وَانصَرَفَ ، دُونَ تَبرِيرٍ ، لِسُؤَالِهِ.
وَصَاحِبُنَا محمودُ يُقسِمُ لي بِأَنَّهُ إِلى يَومِنَا هَذَا لا يَعلَمُ مَنْ هَذَا الشَّابُّ ، وَلِمَ سَأَلَهُ رُبَّمَا حَسَبَهُ طَالبًا في الجَامِعَةِ ، أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ ، فَقدْ كَانَ مَظْهَرِ مَحمُود يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ السَّمْتِ مِنَ الشَّبَابِ الجَامِعِي في تِلْكَ الفَتْرَةِ .
الشَّيءُ الوَحِيدُ الذِي ما زالَ يَذْكُرُهُ أنَّهُ كَانَ فَخُورًا بمَا يَقُومُ بِهِ.