غيروا أو تُغيروا
بقلم /ربى ريحاني
“العادات الفكرية لدى أي شعب في الدنيا، يجب أن تقوم على تصحيح الخطأ وتصويب الاتجاه، وهذا ما هو غير قائم، وجزء من الفشل الفلسطيني له علاقة بالثقافة العربية، فمفهوم الزمن عند العربي بدوي بدائي ويعني فقط التقرّب والانتظار، في حين أن مفهوم الزمن عند الشعوب الراقية، وعند العدو الصهيوني فرصة للتخطيط وللتنفيذ والعمل، والتعبير الشعبي السائد الترقّب والانتظار عند العرب، يتلخّص في القول الشائع: “خلّيها على الله”، أو بحلّها الحلال”.
هذه مستلة من إجابة المفكر الراحل عدنان أبو عودة على أحد أسئلة الكاتب والإعلامي عامر طهبوب والتي نشرت في كتاب طهبوب الأخير “الحديث الأخير”.
ويقصد أبو عودة في إجابته هنا أن الثقافة العربية انعكست على الإنسان العربي من حيث سلوكه، وفكره، وطريقة تفكيره، وردود أفعاله، وعلى كل شيء في حياته.
ومن هنا أريد أن أتحدث عن المصطلحات الشائعة التي نرددها كعرب وشرقيين، ونقولها ولا نعنيها هرباً من المسؤولية مثل: “توكلنا على لله، خليها على الله، أو بحلها الحلال”، فالثورة التكنولوجية لن تنتظر العرب للبقاء على ثقافتهم وفكرهم السائد بالنظر إلى المستقبل بهذه الطريقة. فبينما تغيّر الثورة الرقمية أساليب القراءة والكتابة والتفكير، انتقل الإنسان اليوم من خيال مجرّد إلى حقائق علمية محسوسة.
ويقول الدكتور طلال أبو غزالة في كتابه”العالم المعرفي المتوقد” “إن ثورة المعرفة ستحدِث انفجاراً في التعليم الحالي الذي سيواجه تسونامي المعرفة الرقمية، والحضور الوجاهي بدأ بالتلاشي بفضل الإنترنت”. أقول إن ذلك يضاف إلى القفزة النوعية في تعزيز الفعاليات الاجتماعية، وبيع السلع، وتقديم خدمات مختلفة باتت تقدّم في أي وقت من اليوم نفسه، لا ترتبط بساعات معينة أو موسم معيّن.
أما بالنسبة للبيانات الرقمية، فستكون المحفّز الأساسي للابتكارات والاختراعات في المستقبل، فالتكنولوجيا أصبحت أكثر من أدوات لعب أطفال، بل هي مستقبل البشرية ومصيرها، لذا لا بدّ من تغيير الأفكار؛ لأنها ستؤدّي حتماً إلى تغيير السلوك، ونحن نحتاج في خضّم عالم متغيّر، أن نبدأ بالتغيّير من الداخل، أي من الفكر والقلب، وأن لا نعيش على أطلال مصطلحات باتت تُرجعنا للوراء، أو تُبقينا على ما نحن عليه. والسؤال هنا: أيهما أصعب تغيير الفكر أم السلوك؟ حتماً السلوك تغييره أصعب؛ لأنه لا يكفي أن نؤمن بفكرة جديدة فحسب، بل لا بد من استئصال الفكر السلبي المتجذّر، والذي يطلق عليه في علم الإعلام “الصور النمطية”، وهي صورة مطبوعة في الأذهان تصعب عملية تغير السلوك.
وطالما في جيبنا تلك الآلة الذكية كمصدر رقمي هائل، فلنستغلها نحو مستقبل أفضل. أملنا في جيل جديد قادر أن يلحق ركب التقدّم، فمعه ليس هناك عودة إلى الوراء. فالثورة الصناعية الرابعة التي تحدث الآن، غزت ليس فقط التعليم والاقتصاد، بل المعيشة الذكية، والفضاء، وأعماق البحار، والبنية التحتية ،وكافة مجالات حياتنا، لذا علينا أن نواكب التطوّر والتغيير.
وعودة إلى “الحديث الأخير” مع أبو عودة: “إن الكلمة يجب أن تكون مقرونة بالفعل وليس بالقول فقط، كأن تقول إنني أرفض صفقة القرن، وانتهاك حقوق الفلسطينيين، فكلمة رفض ليست فعلاً، إنما ردّة فعل”، والرفض يجب أن يكون مقرونًا بفعل، أي اتخاذ إجراء سريع. ونحن الآن نريد أن نأخذ إجراء سريعًا، ونواكب عجلة التقدّم الصناعي والثورة الرقمية. ولنعمل بعبارة “فلنتعامل مع المشكلة الآنية” وهي عبارة جاءت في إحدى حلقات المسلسل الأمريكي” Prison Break الهروب من السجن”. إن لمشكلة الآنية كما أرى أننا يجب أن نتغيرّ، والتغير قادم، إما أن يكون بفعل يدينا أو مفروضاً علينا، لكنه قادم لا محالة، لأن صورة الحياة أصبحت مختلفة الآن عمّا قبل، والثقافة العشوائية لا مكان لها في حلّ أي مشكلة قومية أو وطنية.
هل القادم أفضل؟ ذلك يعتمد على قدرة ليس فقط أصحاب الأمر والفكر على الحراك، وإنما استعداد مجتمعي لعمليات ديناميكية من التغير والتغيير، لا النظر إلى العملية باستعداء وكأنها حيلة جديدة من حيل الاستعمار والاستكبار.