“غرقت جني”
قصة قصيرة
كتب مجدي غبدالله
على شاطئ البحر، تردد عامر للحظة قبل أن ينزل الماء مع جني، يعرف في داخله أنه لا يجيد السباحة جيداً، وأنه بالكاد يستطيع أن يطفو، لكنه حاول أن يخفي ارتباكه، فهو الآن أمامها، يريد أن يبدو قوياً، يريد أن يعلمها، الكل نصحه بعدم النزول للعوم بجني، لكنه اصر، ساد الجو توترًا عميقًا حين أصر عامر على تعليم جني السباحة، خطا بها نحو الماء وهو مليء بالثقة، ظنًا منه أنه سيكون حاميها في كل خطوة.
بدأت جني تتمايل مع الأمواج، تضحك وتبسط ذراعيها، ظنت أنها في أمان، لكنها لم تكن تعلم أنه يواجه صراعاً مع كل موجة تضرب جسدها، ما إن غاصا قليلاً حتى أفلتت جني من بين يديه فجأة، وبدأت تغوص، تلوح بذراعيها بحثاً عن شيء يمسكها.
حاول اللحاق بها، لكن ساقيه خانتاه، وكأن الماء يجذبه إلى الأسفل بدل أن يدفعه للأمام، لتبدأ جني رحلتها المرعبة نحو الأعماق، تعوص وتغرق وهو لا يفعل شيء، جحظت عيناه وهو يرى المياه تبتلعها شيئًا فشيئًا، كأنما الزمن توقف ليجعل اللحظة جحيماً لا ينتهي، علا صوت الصراخ من حوله، وأحاط به الناس وهم يصرخون، لكن كلماته لم تخرج، فقط “غرقت جني” تتردد في رأسه، كأنها مرآة لعجزه الدائم.
استعان عامر بغطاسين كانوا على الشاطئ، لكنهم بدوا عاجزين أمام هيجان الأمواج وتلاطمها العنيف، كأن البحر يعاندهم بإصرار. حاولوا مرارًا، لكن جني كانت تختفي في كل مرة، تنزلق إلى الأعماق، فيختفي ظلها أكثر
تحت الماء. ارتفعت الصرخات على الشاطئ، وترددت كلمات “غرقت جني… غرقت جني” كأنها طعنات متكررة في قلب عامر. تحول الأمل إلى ذعر، والذعر إلى يأس، بينما بقي واقفًا هناك، كتمثال تجمد في لحظة فشل، تتردد في عقله صدى الكلمات بحدة، غير مصدق أن جني حقاً قد رحلت ولن تعود ضحكتها تملئ المكان كما كانت.