غاية لا تُدرك وغاية لا تُترك
بقلم: عمر الشريف
من منا لا يذكر قصة جحا وابنه عندما اشتريا حماراً من السوق ورجعا به إلى البيت، فقد تعرضا للانتقاد والسخرية في كل مرة حاولا فيها إرضاء الناس ومجاراتهم في كيفية ركوب الحمار، فمرة ركب جحا وحده فلم يعجبهم، ومرة ركب الابن وحده ولم يعجبهم أيضاً، ومرة ركبا معا ولم يعجبهم، ومرة لم يركبا وسارا على قدميهما مشياً بجانب الحمار فلم يعجبهم، إلى أن نطق جحا بجملته الشهيرة: “رضا الناس غاية لا تدرك”.
وبكل موضوعية فإن كسب رضا الناس كلّهم مستحيل، نظراً لأن الناس مختلفة الأمزجة والطباع، ولا يمكن أن تجمع في عمل واحد ما يوافق أمزجةَ جميع الناس ويناسب طبائعهم، لأنك في الحالة هذه تحاول أن تجمع بين الأضداد وهذا هو المستحيل بعينه.
ولا شك أن من يحاول كسب رضا الجميع سيعاني من الإحباطات المستمرة، وسيصل إلى النتيجة الحتمية وهي يخسر ذاته ورضا من حوله، فقد خسر طابعه الخاص وتقديره الذاتي، متنازلاً عن كل ذلك من أجل لا شيء،
فالناس بصراحة لا تقدر المقلدين ولا تهتم بالنسخ المكررة عنهم، وإنما الذي يلفت انتباههم هو الاختلاف المنطقي والإبداع الصحيح في الغير، والذي يفرض عليهم تقديره والاعتراف به عاجلاً أم آجلاً.
وهذا لا يعني طبعاً أنْ نضرب بعرض الحائط رضا الناس ومودتهم لنا، ولا يعني أن لا نهتم بالذوق العام والأدب المجتمعي، فالإنسان لا يمكن أن يعيش وحيداً ولا يلائمه الاختلاف عن ما هو مألوف وطبيعي بين العقلاء وذوي النفوس السليمة.
فعلى الإنسان أن يلتزم جانب الصحة في عمله وفق منطق الدين والأخلاق والعرف الاجتماعي السليم، وأن يجتنب الاختلاف الذي منشؤه الهوى والجهل وأذية الناس والاعتداء عليهم، فعند ذلك يكون قد وجد لنفسه ضابطاً سليماً وميزاناً ثابتاً في الجمع بين رضا الله ورضا الناس ورضا نفسه.
ومهما كان الذي نفعله أو نختاره صواباً وصحيحاً، فإننا سنجد له منتقدين وكارهين، ولكن ليس كل انتقاد يستحق التفكر فيه، وليس كل رأي مخالف يستحق الرد عليه.
ومناط الفهم هنا وخلاصته هو أنه رضا الناس غاية لا تُدرك، ورضا الله غاية لا تُترك، ولكم حرية الاختيار بينهما، ولكن تذكروا أنكم مسئولون عن هذا الاختيار.