بقلم عبير مدين
اليوم نسافر في رحلة زمنية نبدأ من فلسطين حيث كان هناك بطل اسمه “شمشون بن منوح الدني اسمه يعني “ابن الشمس”.. ورد ذكره في سفر القضاة في الأصحاحات 13 إلى 16، وفي الرسالة إلى العبرانيين من العهد الجديد في الأصحاح 11.
تقول القصة إن بني إسرائيل ذاقوا عذاب مهين علي يد اعدائهم.. فأرسل الله ملاك لرجل و زوجته العاقر.. ووعدهم بابن يكون له قوة هائلة خارقة.. يحمي بني إسرائيل.. بشرط ألا يشربوا كحول مطلقا.. و لا يقص الولد شعره مطلقا..
ولد”شمشون” و كبر وكان حكيما و شجاعا وقويا بدرجة مذهلة.. لدرجة إنه عندما ربطوه بين جبلين بالأغلال مزق الجبلين.
و من يتغلب على “ابن الشمس” نفسها؟!
ذات مرة ذهب شمشون إلى “غزة” و قابل هناك بنت اسمها “دليلة “شمشون” احب “دليلة” ووقع في غرامها.. و لم يكن يعرف أنها مجرد فتاة جشعة.. أهلها دفعوا بها حتى تعرف سر قوته ثم يبيعوه للأعداء..
بعد مغامرات عاطفية.. شمشون يخبرها أن سر قوته في شعره.. و في لحظة غرام سوداء.. تحلق له شعره ووجهه مدفون في حجرها..
وفقد “شمشون” قوته..
حملوه و رموا به مقيدا في معبد تمهيداً لإعدامه.. لكن “شمشون” استعاد قوته بغتة.. بلا سابق إنذار.. وحطم أغلاله الفولاذية؛ و هدم المعبد على رأسه و على رأس الجميع صارخاً عبارته الشهيرة “عليّ و على أعدائي”.. و هذه كانت نهايته…
قبل جلاء إنجلترا عن الهند رأت أنها لا يجوز أن تتركها تنعم بمواردها الرهيبة و موقعها المتميز و شعبها الذي ايقظته دعوات “غاندي”.. و بدأ ينبذ التعصبات و القبلية و المذهبية و الطائفية و يتوحد فقررت قبل الجلاء ان البلاد و “علىّ و على أعدائي”…
لم يكن هناك دول اسمها “باكستان” و لا “بنجلايش”.. هذه الدول عمرها اقل من عمر والدك.. ظهروا للوجود سنة 1947.. صنعتهم إنجلترا عندما قسمت الهند و جعلت من الثلاث دول أعداء حتى اليوم. الهند و باكستان و بنجلاديش وهي دول مشتركة في الحدود الجغرافية وعلى عداء دائم.
ابحث ايضا في التاريخ سوف تجد دولة كان اسمها “يوغوسلافيا”.. مما يحزنك أنك سوف تقرأ بالحرف في اي مرجع “يوغوسلافيا (كانت) دولة.. تقع في…… إلخ إلخ”…
“يوغوسلافيا” كانت دولة قوية تستند على “الإتحاد السوفيتي”.. و تعتنق مبادئه و تصنع سلاحها بنفسها.
ما هو “الإتحاد السوفيتي”؟!
كانت دولة ايضا. أكبر دولة على سطح الكرة الأرضية منذ نشأة العالم حتى اليوم.. من رحم الإمبراطورية الروسية ولد هذا الكيان الهائل الرهيب و كاد في لحظة ما ان يصبح قطب العالم الأوحد.
غزو “الإتحاد السوفيتي” لم يكن بالدبابات و سلاح الجو و الفرقاطات البحرية.. مطلقاً.. بدأ برئيس “عميل”
رئيس زرعه الأمريكان.. وتدرج في مناصب سياسية.. ووصل لمنصب ألامين العام للمجلس السوفيتي في عام 1985.. ومن هنا استطاع أن يتولى حكم الإتحاد السوفيتي بترشيح المجلس السوفيتي !!
بدأ يكلم الناس عن مفاهيم مثل ديموقراطية و حرية و غيره.. لكن بمفاهيم مرتبكة مغلوطة.. المفاهيم التي نسمعها اليوم .
إن الحرية هي الإنحلال و قلة الأدب و السباب و الديموقراطية هي الفوضى و كان له دعوة خاصة يمكن أن تكون سمعتها مرة أو مرتين و لم تفهم معناها..
البريسترويكا…
“إعادة البناء”.. كان مؤمن بأنه “لابد ان نهدم حتى نبني علي نظافة” و “نفكك حتى نبدأ من جديد”..
فكرة إعادة البناء أو “البريسترويكا التي فككت كل مؤسسات الدولة و جعلتها غير فاعلة بلا قيمة.
و مع البريسترويكا.. أطلق سياسة أخرى اسمها الـ “جلاسنوست
وهي تعني الشفافية ليست الشفافية المعقولة لكن الشفافية بدون حساب فضح أسرار الدولة و تعريتها بدعوى الشفافية..
أعلن ميزانية الجيش على الملأ و فضح ميزانية المخابرات السوفيتية لأول مرة في التاريخ.. وتبادل أسرارها مع دول أخرى. ما حدث تسبب في هزيمة المخابرات السوفيتية في مئات العمليات الإستخباراتية. فمن السهل أن تهزم عدوك عندما تعرف كم ومتى واين يصرف حتى يواجهك.
فتح الاسواق على مصراعيها للبضائع الامريكية و روج لها على حساب الصناعة الوطنية و بدأ الشعب يغرق في الملذات وعرف طريق الكسل و تراجع الإنتاج اصبحت الدولة التي غزت الفضاء دولة مستهلكة
و مع بدء مشروعه لتقسيم الإتحاد السوفيتي.. أدرك قيادات الجيش الأمر.. و قرروا حماية الوطن بأي ثمن.. فانطلقت المدرعات تهدر و جنازير الدبابات تمزق الثلوج حتى وصلت الكريملن مقر الحكم.. و حاصرته.. و بدأت في إجراءات خلع هذا الرئيس الخائن لكن الكارثة انهم اصطدموا بالشعب!
الشعب الذي اصبح غائب عن الوعي غارق في التنبلة و الدعارة و الأكل و المرعى و قلة الصنعة والأسعار الرخيصة
الشعب وقف كدروع بشرية و حموا الرئيس السوفيتي العميل.
و كان قادة الجيش أمام قرارين لا ثالث لهما.
إما المضي في محاولتهم وهذا يعني حرب أهلية ربما كانت لتظل مستمرة حتى اليوم. أو انسحابهم و محاكمتهم و ربما اعدامهم.
و اختاروا الاختيار الثاني.
و استقر الرئيس العميل مدعوم بالشعب. و كافيء الشعب بدعم كل السلع تقريبا و انخفضت الاسعار لدرجة رهيبة أسعدت الناس أكثر و أكثر..
و لكن من ناحية أخرى.. كان الاحتياطي يتناقص بسرعة مذهلة.. و الموارد تقل وتقل.
و إنهار الإقتصاد السوفيتي فجأة.و مع انهياره تضاعفت الاسعار بين يوم و ليلة مئات المرات و أصبحت العملة بلا قيمة و بعدما كان مليون روبل يعني انك مليونير اصبحت بالكاد تشتري وجبة طعام. و سقط الاتحاد السوفيتي و هوى و تفكك و كان السقوط مدوي لدرجة رهيبة. انفتحت له الأفواه في بلاهة لأنه تقريبا تم في غمضة عين.
و حصل الرئيس العميل على “نوبل للسلام” و تقاعد و سافر للولايات المتحدة تاركا ورائه دولة مفككة مقسمة و فقر و جوع و مرض و أوبئة و ألف ألف مافيا و عصابة و حروب أهلية طاحنة…
و لأن “يوغوسلافيا” كانت تستند على الإتحاد السوفيتي فبدأت هي ايضا تسقط و تهوي و تقسمت لصربيا، وكرواتيا، و سلوفينيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود وجمهورية مقدونيا.
و بدأ الصرب يضرب الكروات ثم بدأ الاثنان بضرب البوسنة!
وفي عام 2006 أعلنت كل من صربيا والجبل الأسود استقلالهما عن الاتحاد اليوغسلافي ليعلن زوال الاتحاد اليوغسلافي من الوجود عام 2006 و تلاشت “يوغوسلافيا” لم يعد لها وجود.
دول كبرى ظهرت و قويت و سادت ثم بادت! و بيد “أهلها”! بزعم الربيع العربي في الوقت الذي تخوض فيه الدول التي تسببت في هذه الفوضى حرب طاحنة لتبقى ولايتها متحدة امريكيه برئيس و برلمان و جيش واحد.
المانيا الشرقية و الغربية تهدم سور برلين حتى تبقى “ألمانيا”.
دول أوروبا بتتجمع و تتوحد وتجعل لها عملة واحدة و مصير واحد و ليبقى “اتحاد أوروبي”..
إنجلترا تجمع أيرلندا و اسكتلندا وويلز و تسمي نفسها المملكة “المتحدة”.. و “بريطانيا العظمى”…
يتوحدوا و يتجمعوا و يقسموا اي قوة تظهر للساحة يقسموها بيد ابنائها
نحن في معركة وجود..
لم تعد الحرب دبابات و لا مدرعات في معظم معاركها.
الحرب اصبحت حرب تاريخ.. حرب حضارة.. حرب عمل من يعمل يعيش و من يتوقف يموت من ينسى تاريخه يموت. من يهمل حضارته يموت. الحرب اصبحت حرب إعلام
لبست الشائعة ثياب الحقيقة فسقطنا في مستنقع الفرقة
انني لاخشى إن نبكي يوما كالنساء ملكا لم نحافظ عليه كالرجال