صباح مصري، الطبع والتطبع
بقلم سمير المصري
أعشق الحكمة وأبحث عنها فى كل سطر أطالعه، فالحكمة ما هى إلا عصارة تجارب بشر تركوها لنا خلفهم حتى تضيء لنا الطريق، ومن أجمل الحكم تلك التى تفسر وتوضح وتشرح لنا سلوك البشر ، فدائماً نقول الطبع يغلب التطبع واحذر فإن الطبع غلاب وقديماً قرأنا قصة العقرب والضفدع والتى تروى لنا أن الضفدع حمل العقرب على ظهره وعبر به النهر بعد أن وعده العقرب بألا يلسعه حتى لا يغرق الاثنان، وفى منتصف النهر فوجئ الضفدع بالعقرب يلسعه وبالفعل غرقا معاً.
واليوم أقدم لكم قصة قرأتها ولكن هذه المرة مع ثعبان وأيضاً هى تقول احذر ولا تأمن لخائن أبدا، فالطبع غلاب فماذا حدث؟!
تقول القصة بأن امرأة عثرت على ثعبان صغير جائع بردان فقررت أن تنقذه مما يعانيه فأخذته إلى بيتها وآوته وبدأت تطعمه حتى كبر الثعبان وأخذ يعتاد عليها!، حيث كان يتبعها فى كل مكان تذهب إليه داخل المنزل وفى نهاية اليوم كان ينام بجانبها على السرير مستمتعاً بدفئها.
مرت السنوات وكبر الثعبان وفى أحد الأيام فوجئت تلك السيدة بأن الثعبان توقف فجأة عن الأكل بدون سبب معروف حاولت السيدة الرحيمة مع الثعبان كثيراً لكى تجعله يأكل خوفاً عليه من الموت والهلاك إلا أن الثعبان كان يرفض وفشلت جميع محاولاتها معه.
ظل الثعبان على حاله هذا لعدة أسابيع رافضاً الأكل إلا أنه كان مازال يتبعها داخل المنزل نهاراً وينام بجانبها على فراشها ليلاً بل وزاد علي ذلك بأن كان يلتف حول جسدها وهى نائمة طمعاً فى الدفء.
أخيراً وبعد عدة أسابيع قررت السيدة أن تأخذه إلى الطبيب البيطرى ليفحصه لعله يكون مريضاً ويحتاج إلى العلاج. كشف الطبيب على الثعبان ثم التفت إلى السيدة وسألها:
هل لاحظتى أى أعراض أخرى على هذا الثعبان خلاف قلة شهيته وامتناعه عن الطعام؟
– أجابت السيدة لا.
سألها الطبيب ثانية هل مازال يرقد بجانبك أثناء نومك ليلاً؟
– أجابت السيدة ب نعم، انه متعلق بى كثيراً ويتبعنى أينما ذهبت داخل المنزل، وينام بجانبى فى السرير كل ليلة.
سألها الطبيب ألم تلاحظى أنه فى بعض الأحيان يقوم بلف نفسه حول جسدك اثناء نومه بجانبك؟
– اندهشت السيدة كثيراً وقالت للطبيب: نعم نعم، فإنه فى الآونة الأخيرة وأثناء مرضه كان أحياناً يلتف حولى أثناء نومى طمعاً فى الدفء والحنان وكان حينما أستيقظ يتبعنى بعينه فأهرع لتقديم الطعام له لكنه للأسف كان يرفض الأكل ويظل فى مكانه.
هنا تبسم الطبيب وقال لها سيدتى إن هذا الثعبان ليس مريضاً بل يستعد لالتهامك!، إنه فقط يحاول أن يجوع فترة طويلة حتى يمكنه أكلك كما أنه يحاول كل ليلة أن يلتف حول جسدك ليس حباً فيكى ولا بحثاً عن الدفء والحنان كما تعتقدين إنه يحاول أن يقيس حجمك مقارنة مع حجمه حتى تستوعب معدته وجبة بحجمك إنه يعد العدة للهجوم عليكى فى الوقت المناسب، فخذى حذرك سيدتى وتخلصى من هذا الثعبان سريعاً!
قد يعتقد البعض أنه يستطيع تغيير من حوله بالحب أو العطف أو الإحسان، صحيح قد تنجح أحياناً مع بعضهم لكن تذكر أن هناك طبائع تكون متأصلة فى البعض من البشر لا ينفع معها الإحسان ولا تعالجها المحبة.
ان هذه النوعية يكون الاقتراب منها في منتهي الخطورة،
وعلى سبيل المثال نستمع أحيانا لمن يقول إن هذا من طبعه الكذب أو الخيانة مثلا وفى هذا إقرار منه ويقين بأن هذا الشخص لن يتغير ولن يكون صادق أو مخلص أبدا يوما ما.
وفى الحقيقة إن هذا تفكير خاطئ وهناك الكثير من النماذج أثبتت عكس ذلك حيث نجد التطبع يغلب الطبع ويحدث هذا فقط بشروط.
كيف يمكننا أن نرقى بأخلاقنا من الأدنى للأعلى محققين بذلك التغيير المنشود من الأسوأ إلى الأفضل بل أن هناك من ينجح فى ذلك ويرتقى بأخلاقه حتى يصل لأن تصبح أخلاقه أشبه بأخلاق الأنبياء.
بداية لابد لنا أن نعرف أولا ما هو الطبع وما هو التطبع؟
إن الطبع هو خلق ما توارثه الشخص ثم نشأ وترعرع عليه من خلال أبويه والبيئة المحيطة به حتى أصبح قناعة من قناعاته أو صفة من صفاته فهى مطبوعة فى شخصيته تلك الطباعة التى صار من الصعب التخلص منها.
أما التطبع فهو التخلق بخلق ما لم يكن فى السابق من سمات الفرد أو من ملامح شخصيته وقد يكون هذا الخلق المكتسب جيد أولا.
والسؤال هنا هو كيف لنا أن نجعل هذا التطبع هو تحول من الأسوأ إلى الأفضل وليس العكس؟
بل وكيف لنا أن نجعل التطبع يغلب الطبع أصلا ؟
إن الفكرة التى تدور فى أذهاننا الآن بل إنه الإنطباع الذى أخذناه دائما فى هذا الشأن هو أن هذا الأمر عسير ومن الصعب تحقيقه.
فنجد من يقول بالعامية مثلا اللى فيه طبع مبيغيروش،
وإذا كان هذا المنظور سليما ما كانت التوبة، فالتوبة أكبر دليل على أهمية التغيير والاستمرارية فى ذلك والسعى الدائم لتهذيب النفس والارتقاء بها من الأسوأ للأفضل.
الحقيقة لا ينجح المرء فى تغيير طبعه بين يوم وليلة بل إن الأمر يتطلب الكثير من الجهد والإصرار ويساعده على ذلك المحافظة على الصلوات والالتزام بتلك القوانين الربانية التى تؤثر فى النفس وتسرى فيها وترقى بها.
نعم هذه هى القضية فإذا أردت أن تتغير صفاتك وعاداتك السيئة، فعليك أن تقطف من كل الثمار فى حدائق الإيمان.
إن الثمار اليانعة فى حدائق الإيمان كثيرة ومتنوعة ولكل منها تأثيرها المتميز، المنفرد، والخاص بجزء من الروح تلمسه فتؤثر فيه، ومن علامات الرقى وحسن الخلق نجد الثبات وقت المصيبة وعدم الجزع والهلع وأمثلة ونماذج كثيرة لهذة العلامات ففى الحياة نجد التاجر الأمين الذى يصر على أمانته وسط مجتمع باتت فيه الأمانه نادرة، وهذا الذى يجلس بين أصدقائه فيمسك لسانه عن الغيبة وسط الكثير من اللغو والأحاديث الخاوية معرضا عنها ولا يخوض فيها،
وهذا فقير يتصدق، وهذا يحسن الظن بالله تماما كما أحسنت هاجر وسط صحراء قافله، وهذه مريم لولا سمعتها الطيبة بين اهلها لما صدقها احد، انها لم تكن إمرأة باغية. وهذا لا يجد صعوبة فى غض البصر، وذاك يتحرى الصدق فهو لا يكذب أبدا.