شهيد الفكر فرج فودة
بقلم: أسامة حراكي
لم يكتب حرفا الا منتقداً من يتاجر بالدين، دخل وحده وقبل أي أحد لعش الدبابير، مقاتلاً بقلمه و بفكره، متجرداً من أي أطماع مادية، صراعهم معه كان لسبب واحد وحيد، هو أنه فرق بين الإسلام و بين المسلمين، هو لم يقترب من الاسلام الا بكل توقير و إحترام و أدب، وسحق كل تجار الاسلام، فضحهم بعلمه وعبقريته وذكاءه وثقافته واسلوبه الادبي الرفيع الراقي الساخر الساحر الشرس المواجه المقاتل.
هم قتلوه لسبب واحد، انه قال: “الاسلام دين عظيم ولكن المسلمين حاجة تانية” فتح دمل الخلافة الاسلامية، كان فيها راشدين وكان فيها قتلة وسفاحين ومجرمين وشواذ وكل صنوف وشكول الارهاب والعنصرية و الطائفية، لم ينطق حرفا ضد الاسلام، بل كل كلامه كان دعوة للاسلام الحقيقي النقي المنزه عن اغراض السياسة القذرة، كرهوه لأنه من ادرك باكراً خبثهم ووضاعتهم وقذارتهم لأنه قال للناس تاريخ المسلمين ليس الاسلام.
إنه شهيد الفكر فرج فودة الذي علمنا أن نقول الحق ولا نخشى لومة لائم، الذي علمنا أن الروح نفسها لا تساوي كلمة حق واحدة تقال على منبر معرض الكتاب الذي دفع عمره ثمناً لمقاومة الطاعون والارهاب.
شارك في تأسيس حزب الوفد الجديد، ثم استقال منه وذلك لرفضه تحالف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين لخوض انتخابات مجلس الشعب لعام 1984 ثم حاول تأسيس حزب باسم “حزب المستقبل” وكان ينتظر الموافقة من لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى، كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوما كبيرا عليه، وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992 “بجريدة النور” بياناً بكفره، أسس الجمعية المصرية للتنوير في شارع أسماء فهمي بمصر الجديدة، وهي التي اغتيل أمامها في مثل هذا اليوم من عام 1992حيث اغتالته ذراع الارهاب الديني، ففي 8 يونيو قبيل أيام من عيد الأضحى، انتظر شابان من الجماعة الإسلامية، هما أشرف سعيد إبراهيم وعبد الشافي أحمد رمضان، على دراجة بخارية أمام (الجمعية المصرية للتنوير) بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة حيث مكتب فرج فودة، وفي الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، وفي أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، انطلق أشرف إبراهيم بالدراجة البخارية وأطلق عبد الشافي رمضان الرصاص من رشاش آلي فأصاب فرج فودة إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلقا هاربين، غير أن سائق سيارة فرج فودة انطلق خلفهما وأصاب الدراجة البخارية وأسقطها قبل محاولة فرارها إلى شارع جانبي، وسقط عبد الشافي رمضان وارتطمت رأسه بالأرض وفقد وعيه فحمله السائق وأمين شرطة كان متواجدا بالمكان إلى المستشفى حيث ألقت الشرطة القبض عليه، أما أشرف إبراهيم فقد تمكن من الهرب .
حملت سيارة إسعاف فرج فودة إلىالمستشفى، حيث قال وهو يحتضر “يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني” وحاول جراح القلب د. حمدي السيد نقيب الأطباء وقتها إنقاذ حياة فرج فودة، لمدة ست ساعات، لفظ بعدها أنفاسه الأخيرة. كما حمل ابنه أيضا إلى المستشفى حيث تعافى من إصاباته
عمل فرج فودة معيدا بكلية الزراعة في جامعة عين شمس، وحصل على درجة الماجستير في الاقتصاد الزراعي عام 1975 ثم على درجة دكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس في ديسمبر 1981 وكان عنوان رسالته : “اقتصاديات ترشيد استخدام مياه الري في مصر.”
ويكتب فرج فودة عن دراسته فيقول : “وهيئ لي وأنا أحصل على الدكتوراه، أنني مقبل على البحث في شئون التنمية الزراعية، وأن قصارى ما أتمناه أن أكتب مؤلفا أو مؤلفين في مجال تخصصي العام أو الدقيق ومنصرفا إلى المهنة التي عشقتها بكل جوارحي وهي التدريس” غير أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها تلك الفترة، و نمو الجماعات الإسلامية خلال السبعينيات، والذي انتهى باغتيال الرئيس محمد أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 على المستوى الداخلي، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران في 1979 على المستوى الخارجي، خرجت به من مهنة التدريس الجامعي إلى العمل السياسي العام، وإن ظل يؤكد أثر الدراسة الأكاديمية على أسلوب كتابته ومنهجه الفكري، إذ يقول : “دراستي الأولية للحصول على الدكتوراه أضافت إليّ المنطق والحجة، لا أستطيع أن أخون عقلي، الناحية الثانية أن دراسة العلوم الزراعية هي دراسة لعلوم الحياة، وما أكتبه هو دفاع عن حق الحياة الكريمة والإنسانية والحضارية”
“لشيخ الأزهر أن يحمد الله أيضا لأن أحدا لم يتعرض له، ولم يسأله عن موقع منصبه من صحيح الدين، ذلك الدين القيم الذي لا يعرف كهنوتا، ولا يوسط أحدا بين الله وعباده، ولا يفسح مساحة لرجال الدين، وإنما الساحة فيه واسعة للموعظة بالحسنى، تلك التي لم نجد لها في خطابه تأصيلا، وللعلم قبل الفتوى، ذلك الذي لم نجد عليه في خطابه دليلاً، وما ضرنا لو يعلو بك البروتوكول فوق رؤوسنا ورؤوس المسلمين، وما ضرنا أن تسكن في قصر منيف، وما ضرنا أن تحصل على مرتبك من أموال دولة المسلمين، تلك التي تنعتها بأنها ربوية، وتصف بعض مصادر دخلها بأنها آثمة لأنها تأتي من المشروبات الروحية، لكن الضر كل الضر أن تتصور أنك يمكنك أن تخيف وأن بمقدورك أن تمنع كتابا هنا أو تصادر رأيا هناك، وأن تتخيل أن بيدك خزائن الدين، وأن في جعبتك صكوك الغفران توزعها كما تشاء، فتغفر لمن تشاء وتكفر من تشاء، وحاشا لله أن يبلغ بك الظن هذا المبلغ من السوء، وحاشا للإسلام أن يصل فهم البعض له إلى هذا الدرك، الإسلام يا شيخ الأزهر بخير طالما دافع عنه من يدافع، لقاء إيمانه وليس مقابل مرتبه، ولوجه الله وليس لوجه السلطة أو المال أو المنصب، وأزهى عصور الإسلام لم تعرف شيخا للأزهر أو لغير الأزهر، وإنما عرفت من عاش بكد يده، وتعلم من أجل العلم”
هذا جزء من مقال نشر بجريدة الأهالي عام 1988 للدكتور فرج فودة رداً على شيخ الأزهر وقتها جاد الحق علي جاد الحق، لاتهامه المدافعين عن الدولة المدنية بالخارجين عن الإسلام، ومصادرة الأزهر كتابه “نكون أو لا نكون” بعد طبعه.
رحم الله شهيدنا الكاتب والمفكر فرج فودة الذي أنار لنا الطريق من زمن.
شهيد الفكر فرج فودة
بقلم: أسامة حراكي
لم يكتب حرفا الا منتقداً من يتاجر بالدين، دخل وحده وقبل أي أحد لعش الدبابير، مقاتلاً بقلمه و بفكره، متجرداً من أي أطماع مادية.
صراعهم معه كان لسبب واحد وحيد، هو أنه فرق بين الإسلام و بين المسلمين، هو لم يقترب من الاسلام الا بكل توقير و إحترام و أدب، وسحق كل تجار الاسلام، فضحهم بعلمه وعبقريته وذكاءه وثقافته واسلوبه الادبي الرفيع الراقي الساخر الساحر الشرس المواجه المقاتل.
هم قتلوه لسبب واحد، انه قال: “الاسلام دين عظيم ولكن المسلمين حاجة تانية” فتح دمل الخلافة الاسلامية، كان فيها راشدين وكان فيها قتلة وسفاحين ومجرمين وشواذ وكل صنوف وشكول الارهاب والعنصرية و الطائفية.
لم ينطق حرفا ضد الاسلام، بل كل كلامه كان دعوة للاسلام الحقيقي النقي المنزه عن اغراض السياسة القذرة، كرهوه لأنه من ادرك باكراً خبثهم ووضاعتهم وقذارتهم لأنه قال للناس تاريخ المسلمين ليس الاسلام.
إنه شهيد الفكر فرج فودة الذي علمنا أن نقول الحق ولا نخشى لومة لائم، الذي علمنا أن الروح نفسها لا تساوي كلمة حق واحدة تقال على منبر معرض الكتاب الذي دفع عمره ثمناً لمقاومة الطاعون والارهاب.
شارك في تأسيس حزب الوفد الجديد، ثم استقال منه وذلك لرفضه تحالف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين لخوض انتخابات مجلس الشعب لعام 1984.
ثم حاول تأسيس حزب باسم “حزب المستقبل” وكان ينتظر الموافقة من لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى.
كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوما كبيرا عليه، وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992 “بجريدة النور” بياناً بكفره.
أسس الجمعية المصرية للتنوير في شارع أسماء فهمي بمصر الجديدة، وهي التي اغتيل أمامها في مثل هذا اليوم من عام 1992حيث اغتالته ذراع الارهاب الديني.
ففي 8 يونيو قبيل أيام من عيد الأضحى، انتظر شابان من الجماعة الإسلامية، هما أشرف سعيد إبراهيم وعبد الشافي أحمد رمضان، على دراجة بخارية أمام (الجمعية المصرية للتنوير) بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة حيث مكتب فرج فودة، وفي الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، وفي أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، انطلق أشرف إبراهيم بالدراجة البخارية وأطلق عبد الشافي رمضان الرصاص من رشاش آلي فأصاب فرج فودة إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلقا هاربين
غير أن سائق سيارة فرج فودة انطلق خلفهما وأصاب الدراجة البخارية وأسقطها قبل محاولة فرارها إلى شارع جانبي، وسقط عبد الشافي رمضان وارتطمت رأسه بالأرض وفقد وعيه فحمله السائق وأمين شرطة كان متواجدا بالمكان إلى المستشفى حيث ألقت الشرطة القبض عليه، أما أشرف إبراهيم فقد تمكن من الهرب .
حملت سيارة إسعاف فرج فودة إلى المستشفى، حيث قال وهو يحتضر “يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني” وحاول جراح القلب د. حمدي السيد نقيب الأطباء وقتها إنقاذ حياة فرج فودة، لمدة ست ساعات، لفظ بعدها أنفاسه الأخيرة. كما حمل ابنه أيضا إلى المستشفى حيث تعافى من إصاباته.
عمل فرج فودة معيدا بكلية الزراعة في جامعة عين شمس، وحصل على درجة الماجستير في الاقتصاد الزراعي عام 1975 ثم على درجة دكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس في ديسمبر 1981 وكان عنوان رسالته : “اقتصاديات ترشيد استخدام مياه الري في مصر.”
ويكتب فرج فودة عن دراسته فيقول : “وهيئ لي وأنا أحصل على الدكتوراه، أنني مقبل على البحث في شئون التنمية الزراعية، وأن قصارى ما أتمناه أن أكتب مؤلفا أو مؤلفين في مجال تخصصي العام أو الدقيق ومنصرفا إلى المهنة التي عشقتها بكل جوارحي وهي التدريس” .
غير أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها تلك الفترة، و نمو الجماعات الإسلامية خلال السبعينيات، والذي انتهى باغتيال الرئيس محمد أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 على المستوى الداخلي، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران في 1979 على المستوى الخارجي، خرجت به من مهنة التدريس الجامعي إلى العمل السياسي العام.
وظل يؤكد أثر الدراسة الأكاديمية على أسلوب كتابته ومنهجه الفكري، إذ يقول : “دراستي الأولية للحصول على الدكتوراه أضافت إليّ المنطق والحجة، لا أستطيع أن أخون عقلي، الناحية الثانية أن دراسة العلوم الزراعية هي دراسة لعلوم الحياة، وما أكتبه هو دفاع عن حق الحياة الكريمة والإنسانية والحضارية”.
“لشيخ الأزهر أن يحمد الله أيضا لأن أحدا لم يتعرض له، ولم يسأله عن موقع منصبه من صحيح الدين، ذلك الدين القيم الذي لا يعرف كهنوتا، ولا يوسط أحدا بين الله وعباده، ولا يفسح مساحة لرجال الدين، وإنما الساحة فيه واسعة للموعظة بالحسنى، تلك التي لم نجد لها في خطابه تأصيلا، وللعلم قبل الفتوى، ذلك الذي لم نجد عليه في خطابه دليلاً، وما ضرنا لو يعلو بك البروتوكول فوق رؤوسنا ورؤوس المسلمين، وما ضرنا أن تسكن في قصر منيف، وما ضرنا أن تحصل على مرتبك من أموال دولة المسلمين، تلك التي تنعتها بأنها ربوية، وتصف بعض مصادر دخلها بأنها آثمة لأنها تأتي من المشروبات الروحية، لكن الضر كل الضر أن تتصور أنك يمكنك أن تخيف وأن بمقدورك أن تمنع كتابا هنا أو تصادر رأيا هناك، وأن تتخيل أن بيدك خزائن الدين، وأن في جعبتك صكوك الغفران توزعها كما تشاء، فتغفر لمن تشاء وتكفر من تشاء، وحاشا لله أن يبلغ بك الظن هذا المبلغ من السوء، وحاشا للإسلام أن يصل فهم البعض له إلى هذا الدرك، الإسلام يا شيخ الأزهر بخير طالما دافع عنه من يدافع، لقاء إيمانه وليس مقابل مرتبه، ولوجه الله وليس لوجه السلطة أو المال أو المنصب، وأزهى عصور الإسلام لم تعرف شيخا للأزهر أو لغير الأزهر، وإنما عرفت من عاش بكد يده، وتعلم من أجل العلم”.
هذا جزء من مقال نشر بجريدة الأهالي عام 1988 للدكتور فرج فودة رداً على شيخ الأزهر وقتها جاد الحق علي جاد الحق، لاتهامه المدافعين عن الدولة المدنية بالخارجين عن الإسلام، ومصادرة الأزهر كتابه “نكون أو لا نكون” بعد طبعه.
رحم الله شهيدنا الكاتب والمفكر فرج فودة الذي أنار لنا الطريق من زمن.