سوق عكاظ
محمود سعيد برغش
وبعد توقف دام 1300 سنة أعادت المملكة العربية السعودية إحياء سوق عكـاظ وتحديدًا في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عام 1428هـ،ليكون معلمًا سياحيًا من معالم المملكة، في ذات المكان الذي يقع فيه سوق عكاظ التاريخي، ويقصده العديد من السائحين من شتى أنحاء العالم، إضافة إلى كونه ملتقى تاريخي يجمع الفنانيين والأدباء والشعراء وكافة المهتمين بتاريخ العرب القديم، ويقدم السوق قيمة معرفية من خلال الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والأدبية، إضافة لتنظيم عدد من المسابقات والفعاليات الأدبية على مستوى العالم العربي وتشمل الشعر الفصيح والعامي، والقصة القصيرة، والرسم، والأعمال الحرفية، والرسم، والتصوير الفوتوغرافي، كما أعاد السوق إحياء ديوان العرب من عيون الشعر ومعلقاته وذلك بمحاكاة لشعراء المعلقات المخضرمين.
وتشرف وزارة السياحة على سوق عكاظ بعد أن أشرفت عليه إمارة مكة المكرمة على مدار عشر سنوات.
وقد تحظى سوق عكاظ بشهرة واسعة في المملكة العربية السعودية، والتي تقع بين مدينة مكة المكرمة ومدينة الطائف، وكانت سوق عكاظ واحدة من أشهر الأسواق الكبري الثلاثة في الجاهلية وهي: سوق مجنة وسوق ذي المجاز، وترجع بداية سوق عكاظ إلى عام 501 ميلاديا، حيث كانت تعقد في الجاهلية في أول 20 يوما من شهر ذي القعدة، وكان ملتقى كبيرا وصرحا ضخما يجتمع فيه العرب للتجارة وعمليات البيع والشراء، وليس ذلك فحسب بل كانوا يجتمعون في هذه السوق من أجل قراءة الشعر والمنافرات والمفاخرات وإلقاء الحكم والمواعظ والخطب.
وقد كان سوق عكاظ في الجاهلية تمثل أكبر الأسواق التي تعقد في الجاهلية كما أنها السوق الأقدم والأكثر شهرة قديما، والتي كان ينتظرها العرب في شبه الجزيرة العربية كل عام، وكانت تزدهر بها عمليات بيع وشراء البضائع، إلى جانب إلقاء الأبيات الشعرية.
و يشير اسم سوق عكاظ على ما كان عليه العرب في ذلك الوقت والذين اعتادوا التفاخر بإنجازاتهم وأسلافهم، حيث تشير كلمة “عكاظ” في اللغة العربية إلى الكثير من المعاني، والتي تعني الفخر، والتجادل والقهر، وجميعها توضح أن اختيار تسمية السوق بهذا الاسم اشارة إلى ما كان العرب يقومون به في تلك الفترة فقد كان العرب يجتمعون فيه هذه السوق ليعكظ بعضهم بعضاً؛ أي يقهر ويجادل بعضهم بعضاً، وذلك من خلال الأدب والشعر والتجارة.
وترجع بداية سوق عكاظ وعقدها لأول مرة إلى عام 500 ميلاديا عندما فكرت قبيلة قريش وهي واحدة من أشهر وأكبر قبائل العرب في ذلك الوقت وينتمي إليها النبي محمد عليه الصلاة والسلام، في عقد سوق يمكن للعرب التجمع فيها للتجارة وتبادل السلع واختاروا موقعا بين مدينتي مكة المكرمة والطائف المشهورتين كان يطلق عليه اسم “العثدية”، وبدأ السوق عندما وصل الحجاج إلى مكة واستمر لمدة أربعة أشهر وأخذ شهرة واسعة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية.
يبعد موقع سوق عكاظ عن مكة المكرمة مسيرة ليلة واحدة فقط، بينما كان يبعد عن الطائف مسيرة ثلاث ليالٍ، وفي البداية عقد العرب السوق في أربعة أشهر محددة والتي وافقوا خلالها على عدم استخدام الأسلحة أو شن الحرب بين القبائل، حتى تكون السوق آمنة للتداول والتجارة وباقي الأنشطة التي تعقد بها، ومن ثم تغيرت الأوضاع واصبحت سوق عكاظ تعقد في أول عشرين يوما فقط من شهر ذي القعدة ثم تعقد بعده سوق مجنّة في الأيام العشرة الأواخر من شهر ذي القعدة ثم يتم عقد سوق ذي المجاز في الأيام الثمانية الأولى من شهر ذي الحجة.
ولكن تمتاز سوق عكاظ عن غيرها من الأسواق الأخرى للعرب بقرب مكانها من مدينة مكة المكة والتي كانت قبلة العرب في عصر الجاهلية، وكانت من أشهر المدن التجارية في شبه الجزيرة العربية وتسكنها قبيلة قريش صاحبة المكانة الرفيعة في ذلك الوقت.
ظل العرب يقصدون سوق عكاظ لأكثر من عشرين عاما وكانت قبيلة عدوان وهوازن أول القبائل التي قدمت إلى سوق عكاظ واتخذت شهرة واسعة في ذلك الوقت.
سوق عكاظ في الإسلام
كانت سوق عكاظ صرحا كبيرا للتجارة وقد عرض بها جميع أنواع البضائع حتى وصل إلى الاتجار بالبشر، فكان يباع بها الرقيق والعبيد الذين يتم اسرهم بعد الحروب او الغزو، وكان الصحابي عمرو بن العاص وزوجة الرسول السيدة خديجة بنت خويلد ممن تم بيعهم في سوق عكاظ قبل تحريرهم بعدما جاء الإسلام الذي هدم الكثير من عادات الجاهلية.
وقد توالت إحياء السوق من جديد علي مر العصور وتوقف عقد سوق عكاظ لأكثر من 1300 عام، ولكن أعادت المملكة العربية السعودية إحياءه من جديد في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عام 1428هـ، حتى أصبح من أشهر المعالم السياحية في البلاد.
ويستقطب سوق عكاظ أعدادا كبيرة من الزوار من مختلف أنحاء المملكة والعالم والذي أصبح ملتقى حضاريا يجمع الأدباء والتجار والشعراء من مختلف الأنحاء، حيث يتم تنظيم العديد من الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والأدبية، إضافة إلى العديد من المسابقات والفعاليات الأدبية على مستوى العالم العربي.
وتم إطلاق مهرجان سوق عكاظ الأول في عام 2007 والذي استقطب العديد من الزوار من جميع أنحاء العالم باعتباره صرحا مهما وحدثا ثقافيا مميزا يعقد سنويا يعبر من تاريخ وحضارة ويساهم في تعزيز الاقتصاد السعودي، ويعد سوق عكاظ اليوم من أشهر المعالم السياحية المميزة في المملكة العربية السعودية الذي يجمع بين التاريخ العريق للمملكة والتطور الحضاري في الوقت المعاصر، الذي يعيد إلى الأذهان أمجاد العرب وتراثهم.