.. بقلم مصطفي حسن محمد سليم
الخوف هو ذلك الجدار العازل الذي نتسلقه رغماً عنا لنواجه مصير مجهول ربما تكون نهايته الحتمية هي الموت، أو الهروب من قلب الواقع ….
بدأت الصور علي شاشة لاب توب الخاص بميشيل تظهر في سرعة وتتابع سريع، وبدأت الدهشة ترتسم علي ملامحه وهو يقرأ كل ماتم كتابته علي جوجل عن هذه الصور الخاصة بسراديب الموتي، وعن نقل ثلاثين جيلاً من سكان باريس أوما يقارب من رفات 6 ملايين شخص مكدسين من الموتي فوق بعضهم إلي مجموعة من الأنفاق تقع إلي الجنوب من باريس، أستمرت لعدة سنوات دون عناية أوترتيب حتي عام 1810 عندما قام مهندس يدعي لويس دي توري بالأشراف علي عملية ترتيب هذه العظام والجماجم إلي شكلها الحالي، الذي يراه السياح عند زيارتهم لسرداب الموتي، وعندما أنتهي من قراءة هذه البيانات للمرة الثانيه أندفع إلي غرفته وبدأ في أعداد حقائبه، وألتفت إلي الخلف عندما شعر بحركة خفيفة خلفه، وطالعه وجه زوجته وهي تقول له هل أنت مصمم علي الذهاب إلي سراديب الموتي هذه المرة ياميشيل، عاد ميشيل إلي حزم حقيبته وهو يقول لها في عصبية لافائدة من ذلك الحديث ياماري، صدقيني هذا هو الأحتمال الأخير في نهاية ذلك الكابوس الذي يراودني كل ليلة، يجب أن أذهب إلي هذه السراديب والخوض فيها حتي يرحل ذلك الكابوس المتكرر عني، ربما تكون روح هائمة قد تلبست جسدي تريد البعث برسالة إلي أحد ما وأختارتني أنا لذلك، علي كل حال سأذهب بمفردي ربما أكتشف شيء ما، وعندما أعود قد يكون لك رأي آخر في ذلك، أبتسمت ماري في شحوب وهي تقول له وهل تظن أني سأتركك تذهب بمفردك تواجه أي مخاطر قد تكون محتومة هناك، ثم أن فرنسا بلدي ولن تستطيع التحرك فيها بحرية مطلقة أنا سيك.. قاطع ميشيل حديثها وهو يضع يديه علي فمها، فأزالت يديه في رفق وهي تقول له لا ليست هذه المرة ياميشيل، لن أسمع كلامك أنا أيضا أحب المغامرات مثلك وسأذهب معك رغماً عنك هذه المرة، لكي أثبت لك أن كل ماتشاهده من كوابيس يرتقي فقط إلي مستوي الأحلام …..
شعر ميشيل ببرودة شديدة تسري في داخل جسده وهو يتجول داخل سراديب الموتي، عندما وجد شبح في آخر النفق يشبه شبح الرجل الذي يطارده في أحلامه، أسرع نحوه في سرعة، وعندما وصل إلي نهاية النفق وجده قد أختفي، ثم أخذ ينظر في كل أتجاه بجانبه وهو يراه يتجسد أمامه في كل الاتجاهات مرة أخري، وشعر بضيق شديد في التنفس وهو يحاول أستعادة هدوئه ولكن بدون فائدة من ذلك، وبدأ يشعر بصعوبة شديدة في التنفس حتي كاد أن يفقد الوعي، ثم وجد ذلك الشبح يقترب منه من عدة أتجاهات أخري وهو يحاول الهروب منه ولكنه لايجد فائدة من ذلك، وبدأ ذلك الشبح يضع يديه حول رقبته ويخنقه في قوة، وأنتفض جسده في فزع وهو يقاومه بكل قوة، كان مثل الغريق الذي يحاول النجاة، وفجأة أستيقظ من النوم ليجد آثار أصابع يد موجودة علي رقبته وهو يحاول أخذ أنفاسه بصعوبة شديدة، ثم أخذ نفس عميق وهو غير مصدق أنه نجا من ذلك الكابوس المريع، وشعر بالأمان الشديد عندما وجد أنه مازال في غرفته في الفندق ولم يغادرها بعد، ونهض من علي فراشه وهو يشعر بتثاقل في جميع أنحاء جسده، وتسلل من الفراش ببطء حتي لايوقظ زوجته، وهو مصمم علي الذهاب بمفرده لذلك المكان مهما كلفه الثمن….
شعر ميشيل بالاشمئزاز وهو يهبط درجات سلم سراديب الموتي وهو يشاهد الجماجم البشرية المتراصة أمامه في عدة أشكال هندسية، ومن رائحة الموت التي تفوح من جدران ذلك المكان، واخذ يتسائل بداخل عقله ماالذي يدفعه لعبور بوابة ذلك المكان الذي يشبه الجحيم في صورته المتجسدة أمامه الآن، شعر أن المسافة التي يهبط إليها تزداد بعداً كلما نزل درجات السلم، والحرارة أيضٌا بدأت تزيد داخل ذلك المكان حيث تبلغ درجة حرارة المكان 14 درجة مئوية، هكذا قيل له قبل النزول إلي ذلك المكان حيث تم تحذيره من المسئولين عن إدارة المكان، وسؤاله عن إذا كان مريض بالقلب أم لا، لم تكن تلك السراديب مرتفعة من الداخل حيث يبلغ متوسط أرتفاع سقف الأنفاق 1.8 متر، ظل ميشيل يتقدم داخل السراديب وهو يشاهد أكداس من العظام والجماجم البشرية فوق بعضها البعض مرصوفة علي الجدران، وكانت أمام العظام هذه لافتات قديمة مصنوعة من الحجر تبين المكان الأصلي الذي أتت منه العظام، كإسم المقبرة، وعنوانها، شعر ميشيل بنهاية الرحلة بدأت تقترب، حيث أن مدة الزيارة للمكان 45 دقيقة، تكون بدايتها من أحد المداخل في ساحة دونفير – روشيرو يقطع خلالها مسافة 2 كم ، ثم يكون الخروج عند 36 شارع ريمي ديمونسال، وعندما أقترب ميشيل من فتحة الخروج سمع صوت قوي يناديه من خلفه، وعندما ألتفت خلفه وجد في نهاية النفق ذلك الشبح الذي يظهر له دائماً في أحلامه يقف ويناديه، وبحركة غير إرادية أندفع نحوه في سرعة، وعندما بلغ النقطة التي يقف فيها ذلك الشبح وجده قد أختفي وكأنه تبخر في الهواء، ثم ظهر له مرة أخري من خلف باب كبير علي جانب النفق من فتحة تشبه فتحات الصرف الصحي، أندفع ميشيل خلفه، وعندما تجاوز بوابة تلك الفتحة حدث أنهيار قوي للصخور والتربة فوقه، قبل أن يسقط فاقد الوعي من جراء ذلك….
شعر ميشيل بتثاقل شديد في رأسه وعدة آلام مبرحة في جسده كله وهو يفتح جفنيه في تثاقل شديد، وضوء الغرفة بدأ يغمر عينيه في قوة، وعندما صدرت منه آهة خافتة وهو يحاول أن يتحرك من مكانه في صعوبة، أندفعت ماري نحو فراشه وهي تمسك بيديه في قوة قائلة له الحمد لله علي سلامتك ياميشيل، زفر ميشيل في عمق وهو يسألها في وهن ماهذا المكان ياماري؟ أين أنا الآن؟ ربتت ماري علي يديه في رفق وهي تقول له أنت في المستشفي الآن، لقد عثرت عليك الشرطة داخل النفق فاقد الوعي، وقد أنهار عليك جزء كبير من سقف المكان الحجري، بدأ ميشيل يستعيد ذاكرته وهو يتذكر ماحدث له في آخر لحظة حدثت له قبل أن يفقد وعيه وهو يصيح في قوة محاولاً التحرك من مكانه، لقد شاهدته ياماري، صدقيني لقد شاهدت ذلك الشبح، عندما أخذ يناديني بأسمي قبل أن يعبر تلك البوابة الجانبية في النفق التي تشبه فتحات الصرف الصحي، وبمجرد عبوري خلفه أنهار سقف المكان فوق رأسي، لقد تذكرت الآن كل ماحدث لي بالتحديد في هذه اللحظة، فقالت له ماري في عصبية لقد قررت السفر معك حتي تتخلي عن فكرة ذلك الشبح الذي يطاردك في أحلامك دائماٌ، ولقد برهنت وجوده علي أنه نوع من حب المغامرة بداخلك لأكتشاف ذلك المكان الذي يطلق عليه أسم سراديب الموتي، ولكن كان يجب أن تنتظرني لنذهب سوياً، أعتقد أنني لو كنت معك داخل ذلك النفق لم يكن سيحدث لك مكروه أبدًا، ومن الآن وصاعداً كل ما أرجوه منك أن تتخلي عن فكرة ظهور ذلك الشبح لك، ربما تكون محقاً في ذلك، ولكني لن أسمح لك أن تعرض نفسك للخطر مرة أخري، مهما كانت الأسباب التي تدعو لذلك.