رمضان شهر مراقبة الله
أ . د / مفيدة إبراهيم علي
شهر رمضان انه يحصل به تقوية الإرادة على فعل الخير وترك الشر وهجر المضر الذي قد ابتلي به كثير من الناس شهر رمضان تربية رحمانية يتدرب بها المسلم المؤمن على الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء، وترك ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه من كل شيء، ليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعاً عن كل ما لا ينبغي بتدربه الكامل في هذا الشهر المبارك، ليحصل على تقوى الله في كل وقت وحين، وفي أي حال ومكان، وذلك إذا اجتهد على التحفظ في هذه المدرسة الرحمانية بمواصلة الليل مع النهار على ترك كل إثم وقبيح، وضبط جوارحه كلها عما لا يجوز فعله، ومواصلة هجران ما ابتلي به بعد الإفطار، كما قبله لينجح من هذه المدرسة حقاً، ويخرج ظافراً من جهاده لنفسه، موفراً مواهبه الإنسانية وطاقاته المادية والمعنوية لجهادها.
فعلينا أن نغتنم هذه المدرسة بصدق العزيمة والنشاط وحسن مراقبة الله حتى لا يكون من الراسبين المغبونين. عليه أن يمسك لسانه عن أنواع البذاء وفضول الكلام، كما أمسك فمه عن الطعام والشراب، وأن يواصل إمساكه بالليل عن ذلك، فلا ينطق إلا بالحض على الخير والأمر بالمعروف والكلمات النافعة البناءة الصالحة المصلحة، وأن يشغله بالذكر والتلاوة والندوات الطيبة المشتملة على ذلك، فإن من أمسك عن الطعام ولم يمسك لسانه عن الهمز واللمز وأنواع البذاءة، فقد أحبط أجر صيامه من جهة، ورفض التعلم في مدرسة الله من جهة أخرى، ومن أمسك لسانه بالنهار وأطلقه بالليل فقد أفطر على الحرام، ولم يواصل التعلم والتدريب في مدرسة الله، ولابد له من السقوط، فليحذر من ذلك.
ومن كان مبتلى بالطمع والجشع يغبن الناس في المعاملة بالأيمان الكاذبة، ويغشهم بأنواع التدليس أو يطفف عليهم في وزن أو كيل أو ذرع، فليحذر من فساد صومه بالإفطار على الحرام، وليحسن معاملته قولاً وفعلاً، ليتدرب على الصدق والنصح خارج رمضان، فيكون ممن تزود فيه التقوى، والتقوى خير زاد. فإن لم يكن كذلك بأن استمر على غشه وسوء معاملته حال الصيام، أو توقف عنها ثم رجع إليها بعد صيامه، فهو الرافض لمدرسة الله والساقط من تدريبها، فهو متعرض لإبعاد الله ومقته، محروم من مغفرته في هذا الموسم الكريم.
ومن كان مبتلى بالشهوات والطمع في أعراض الناس، فشهر الصيام خير مدرسة له، تزجره عن ذلك إذا عقل حكم الله، وتدبر حكمته، وحرص على إصلاح صومه وتحصيل ثوابه. ففيه يتدرب على غض البصر وكف الجوارح إذا كان في الليل معرضاً عن ذلك بقلبه وقالبه، ويجب عليه إشغال قلبه بالتفكر في آيات الله وتذكر نعم الله عليه نعمة نعمة، ويحاسب نفسه على شكرها بحسن التصرف فيها، ويجعل قلبه سايحاً في ذلك، فيكون متعلقاً بالله متلهفاً على رضاه ,فيحدوه ذلك على العزم على مقاربة الفواحش بعد رمضان.