رمضان شهر الإيثار والعطاء
أ . د / مفيدة إبراهيم على
يعتبر الإيثَار مِن محاسن الأخلاق الإسلاميَّة، فهو مرتبة عالية مِن مراتب البذل، ومنزلة عظيمة مِن منازل العطاء، لذا أثنى الله على أصحابه، ومدح المتحلِّين به، وبيَّن أنَّهم المفلحون في الدُّنْيا والآخرة. قال تعالى: ” وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” الحشر: 9.
أي: يقدِّمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدؤون بالنَّاس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك. وأمَّا الإيثَار مع الخصاصة فهو أكمل مِن مجرَّد التَّصدق مع المحبَّة، فإنَّه ليس كلُّ متصدِّق محبًّا مؤثرًا، ولا كلُّ متصدِّق يكون به خصاصة، بل قد يتصدَّق بما يحبُّ مع اكتفائه ببعضه مع محبَّة لا تبلغ به الخصاصة.
إن لذة العطاء أحلي بكثير من لذة الأخذ.. إن الفلاسفة دائماً لديهم قدرة فائقة علي نقض الأفكار أو المسلمات، لكن الحقيقة التي اتفق عليها أغلب الفلاسفة أن سعادة الإنسان في العطاء أحلي من سعادته في الأخذ.
إن الكل يعطي في رمضان، ولكن شتان بين عطاء وعطاء، شتان بين عطاء مشوب بحذر وبخل وحساب والعطاء الشامل بلا حدود .
والإيثار أن تؤثر غيرك بما في يدك بنفس طيبة, وخلق كريم, وسماحة وجود, وتفعل ذلك لله فقط, فلا تمنن ولا تستكثر, لأنك تشعر أن ما في يدك عطاء من الله.. فأنت تقدمه شكرًا لواهبه وطمعًا فى زيادته عندك.. وسوف تجد ذلك حتمًا لقول المولى عز وجل ” لئن شكرتم لأزيدنكم” والإسلام دين يقوم على البذل فى سبيل الخير والإنفاق فى سبيل المصالح العامة , وحث المسلمين على المسارعة إلى الخير وتلبية داعي الإحسان .. لأن النفس إذا وثقت في الله واطمأنت أبصرت أمرها , وإذا أيقنت بالله عرفت مصدر الخير . لذلك ينفق الإنسان ولا يخشى إقلالًا , ولا ترى النفس لها فضلًا فيما أنفقت لأن الفضل لله الذي يعطينا ويمنحنا وهو الذي قال لنا ” الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ” البقرة -274
دين الإسلام الذي يرغب أتباعه أن يتعاونوا ليشملهم الخير وتعمهم البركة وتغمرهم السعادة , وجد استجابة سريعة منهم , وكان الواحد منهم يؤثر أخاه على نفسه ,
ويحثنا الشهر الكريم على أن يكون العطاء إلينا أحب من الأخذ،لنتذوق لذة العطاء أحلي لذة في الوجود، وفيهم يقول عليه الصلاة والسلام فيما معناه : «السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة، والبخيل بعيد عن الله بعيد عن الناس بعيد عن الجنة». و لذة العطاء لا يعرفها إلا المنفقون. وَمِمَّا يتَأَكَّدُ فِيهِ: الصَّدَقَةُ وَالجُودُ بِالمَوْجُودِ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ».فهو كالريح المرسلة العطاء السريع المستمر الشامل فالجود أعلي درجات الكرم والعطاء، فالجواد درجة أعلي من السخي ومن الكريم وهذه الرحمة تتجلى في شهر الصيام.