رسالة الوسيلة الإعلامية
بقلم – أسامة حراكي
رسالة الوسيلة الإعلامية
يستمد الإعلام الشفاف قوة سلطته من رغبته في المساهمة في صناعة الحقيقة، وهذا يجعل منه سلطة معارضة لكل السلط، وهذه السلطة تتدفق منها الرسائل الإعلامية نحو المتلقي، وفي كثير من الأحيان لا يستطيع الأخير التحاور مع المعاني المستنبطة من هذه الرسائل، قد يتفاعل ولكن لا يتحاور وفق أسس ومبادىء الحوار الذي يقبل بتوجيه رسائل إعلامية مضادة تعكس وجهة النظر الأخرى التي تتيح إفراز معاني معكوسة وتساهم في بلورة رأي أو موقف سليم، فهذا أمر يظل مستبعداً عند منتوج خطابي يحتمي بسقف الإعلام، ويزعم لفئة شاسعة من جمهور المتلقين بميزة احتكار الحقيقة وسلطة اشتراع تبليغها، وهذا دينه وجوهره ودوره ووظيفته أيضاً، فما يبلغه هذا النوع من الخطاب، لا يمثل منتوجاً إعلامياً تتخلله الرسائل الإعلامية التي تقاس درجتها بوحدة قياس المعلومة، بقدر ما يجسد خطاباً دينياً يصر على توجيه رسائله الدينية وفق مقاربة لا علاقة لها بفلسفة ومرجعية ما يؤطر الممارسة الإعلامية، فالأصل فيما يؤسس لفلسفة الإعلام هو تدفق المعلومات في مختلف الاتجاهات، ومن ثم فإن ما يتصور تبليغه هذا النوع من الخطاب هو الحقيقة ولا شيء غيرها، ومن ثم فهو يصر على احتكار ميدان الحقيقة وتملكها وإعادة الاستحواذ عليها على الدوام، في مواجهة حقائق أقل بالنسبة له، أو ينبغي أن تبدو كذلك، هي حقائق العلم والمعرفة والفن، وكلها حقائق تنتمي لدولة الإعلام ويشكل كل منها إحدى وسائله.
إن العمل بهذه الرؤية عند هذا المستوى من الخطاب أمر مكفول لجمهور واسع من متلقي المعلومات الدينية، بل إنه حق مقدس من حقوقه، إنما تحت سقف مؤسسة إعلامية أصلها ثابت، لها قوانينها الشرعية والفقهية التي يتوجب الامتثال لها، وهذه المؤسسة هي المسجد، حيث الأصل هو الإنصات وتدبر آيات الله عز وجل واحترام قوانينه بتجسيد فعل المتلقي دون أي سابق حق حتى ولو في مس الحصى، لكن حينما ينتقل هذا الخطاب من مستوى مؤسسة المسجد إلى مستوى الوسيلة الإعلامية المفتوحة على العالم، فيكون الأصل في عملية التلقي هو الاحتراز، لأن الأصل في تناول المعلومة الدينية يتحول من مستوى التلقي العادي إلى المستوى الافتراضي الذي يجعل من مسألة تجاوز الحقيقة أحد أهم وأبرز أسس اشتغاله.