كتب/ إياد رامي
تحل الذكرى الـ 68 لـ«عيد الفلاح» المصري، 9 سبتمبر من كل عام في ظل إهتمام كبير يحظي به القطاع الزراعي بعد توجيهات وقرارات الرئيس السيسي بإعادة التطوير والنهوض بالقطاع الزراعي، باعتباره أحد أعمدة الإقتصاد القومي المصري، فهو لم يكتف بتقديم إحتياجات الوطن الغذائية فقط ،بل ساهم بأكثر من 3,6 مليون طن أغذية وفواكه تم تصديرها لتغطية احتياجات الدول الأخرى من الغذاء (تحت الأزمة) وتوفير أكثر من 15 مليار جنيه خلال النصف الأول من عام الكورونا 2020 ؛هذا هو عرق الفلاحين الذين يمثلون 57,3% من الشعب المصري.
الإحتفال بعيد الفلاح يتواكب مع الوقفة الشهير لزعيم الفلاحين أحمد عرابي إبان الثورة العرابية في 9 سبتمبر 1881م عندما أعترض على الخديوي توفيق، قائلا: لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقاراً فلن نعبد أو نستعبد بعد اليوم بقصر عابدين، ثورة 23 يوليو 1952 أكدت على عيد الفلاح، عندما أصدرت قوانين الإصلاح الزراعي في نفس يوم 9سبتمبر 1952 عندما تم نشره في الجريدة الرسمية تأكيداً علي دور الفلاح المصري، قانون 178 لسنة 1952 والذي تم علي أثره توزيع 700 ألف فدان علي صغار الفلاحين الذين أمتهنوا الزراعة وليس لديهم أية ملكيات زراعية، جاء الإحتفال بـ “عيد الفلاح “، إعترافا بدور الفلاح المصرى فى التنمية الزراعية وتوفير الغذاء «ما أحلاها عيشة الفلاح متطمن قلبه مرتاح».. عبارة تغنى بها المصريون عقوداً طويلة ولكنها لم تعد مناسبة لأوضاع الفلاحين هذه الأيام.
فالفلاح يعانى إرتفاع أسعار المستلزمات الزراعية من أسمدة وبذور ووقود وغيرها، وفى الوقت نفسه لم ترتفع أسعار المحاصيل بنفس القيمة العادلة التي تضمن تغطية تكاليفه ، ما أدى إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض الأرباح، وذكرت الحكومة فى تقريرها، إن الاستثمارات فى قطاع الزراعة بلغت 21٫86 مليار جنيه، فيما بلغت مساهمة القطاع فى الناتج المحلى الاجمالى 11٫1٪، تمثل نسبة ضيئله جداً لا تتناسب مع بلد عرفت الزراعة في عهد الفراعنة، وزراعىة ولا تتناسب مع مواردها المائية والبشرية.
خلال العام الماضي بدأ التطبيق الفعلى لمنظومة «كارت الفلاح» أو منظومة الحيازة الإلكترونية، التى من خلالها سيتم تقديم خدمات الدعم للفلاح، وتهدف الدولة متمثلة في وزارة الزراعة إحلال الكروت الجديدة «الكارت الذكي» محل الحيازات الورقية، التى سيتم إنهاء العمل بها مستقبلاً، ويستطيع أى فلاح يحوز أرضاً زراعية مهما كانت مساحتها ومسجلة بيانات حيازتها فى الجمعية الزراعية «سجل 2 خدمات» الحصول على كارت بشكل أتوماتيكى دون تعقيداً، وبحسب آخر إحصائيات للوزارة، تم الإنتهاء من تسجيل 4 ملايين و995 ألفا و386 استمارة من عدد الحيازات الزراعية بنسبة قدرها 88.9% من عدد الحائزين البالغ عددهم 5 ملايين و617 ألفا و236 حيازة، وذلك من خلال مديريات الزراعة فى المحافظات.
منظومة«كارت الفلاح».. تتضمن ثلاث مراحل محورية وهامة ، الأولى حصر البيانات الدقيقة لأصحاب الحيازات الزراعية، والثانية ربط الفلاح بمستلزمات الإنتاج وتوفير المعلومات اللازمة لإتخاذ القرار المناسب ووصول الدعم لمستحقيه، والثالثة عملية الميكنة «التحول الرقمي»، وقد تم الإنتهاء من المرحلة الأولى وبدأت الحكومة المرحلة الثانية مؤخراً ، وتستهدف الإنتهاء منها هذا العام، ويعد للكارت استخدامات متعددة ، منها مثلاً صرف الدعم النقدى المشروط لحائزى الأراضى الزراعية والملتزمين بتطبيق السياسة الزراعية للدولة، وصرف الوقود اللازم لزراعة الأراضى الحائز عليها الفلاح من محطات الوقود، كما يعد إحدى أدوات تعويض النقص الشديد فى مجال الإرشاد الزراعى حالياً عن طريق إطلاق برامج إرشادية من خلال تطبيقات على المحمول والكمبيوتر فى المراكز الإرشادية المطورة، عمليات صرف الدعم العينى من خلال تطبيقات صرف الكيماويات والأسمدة المدعومة من الحكومة، إضافة إلى إستخدامه فى تقديم حزمة أخرى من الخدمات من خلال التعاون مع البنك الزراعى المصرى مثل صرف القروض الميسرة للفلاح، وسداد السلف الزراعية الخاصة بالحيازات الزراعية .
ومن أبرز مميزات «كارت الفلاح»، حصر الحيازة الحقيقية والمساحة المنزرعة، كذلك القضاء على الحيازات الوهمية، فضلاً عن الحد من انتشار السوق السوداء للأسمدة، وتوزيع الأسمدة من خلاله بالكميات المطلوبة بناء على مساحة الأراضى المسجلة على الكارت، حيث تعتبر قاعدة بيانات صحيحة للفلاحين تساعد فى تحديد الكميات المطلوب توفيرها من الأسمدة والتقاوى ومستلزمات الإنتاج، وإحكام الرقابة فى الجمعيات والمديريات الزراعية، ولذلك سيحصل الفلاح على مستلزمات إنتاجه دون أى تلاعب، وضمان حصته الكاملة الكافية للزراعة السليمة«التوزيع العادل للدعم الزراعي »، فضلاً عن المساعدة على عدم التعدى على الأرض الزراعية.
الفلاحين فى مصر يعانون بشدة من فشل تسويق محاصيلهم ،وخاصة المحاصيل الإستراتيجية كالقطن والقمح والقصب وغيرها، أزمة تسويق المحصول أزمة كل عام، وترتبط عملية التسويق ارتباطاً وثيقاً بتثمين سعر المحصول، وهنا تكمن المشكلة فالفلاح تفاوت أسعار البيع مع إرتفاع أسعار الوقود ومستلزمات الإنتاج عقب تعويم الجنيه فى نوفمبر 2016، وفى المقابل تحدد الحكومة أسعارًا غير مناسبة للمحاصيل الاستراتيجية، ما يؤدى إلى ترك الفلاح زراعة المحاصيل الإستراتيجية والبحث عن زراعة المحاصيل الأكثر ربحية ، أو استمراره فى زراعة نفس المحصول مع تحمله للخسائر أو عدم الربح، لذلك يطالب الفلاحون دائماً الحكومة بحل مشكلات تسويق المحاصيل، وتطبيق المادة 29 من الدستور التى تؤكد على الإلتزام بتطبيق الزراعة التعاقدية للمحاصيل الاستراتيجية وتحديد السعر قبل بدء موسم الزراعة، حتى يطمئن الفلاح على محصوله ويستمر فى الزراعة.
تعد الأسمدة الزراعية سواء العضوية منها أو الأزوتية، أحد العناصر الأساسية فى الزراعة بالنسبة للفلاح، ولذلك فإن توافرها بإستمرار بأسعار مناسبة، أمر هام للغاية يساعد الفلاحين كثيراً فى تحسين جودة الأرض الزراعية وزيادة الإنتاج، وخلال السنوات العشر الأخيرة، عانى الفلاح بشكل كبير من إرتفاع أسعار الأسمدة، والتى تضاعفت أسعارها بنسبة تقترب من 300% مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2011، ما شكل عبئا إضافيا على المزارعين أدى إلى انخفاض أرباحهم وارتفاع تكاليف الزراعة، ويشكل إرتفاع أسعار الأسمدة سببًا رئيسيًا فى تهديد الفلاحين بالسجن، حيث يسعى الفلاح دائما إلى رعاية أرضه وزراعتها بشكل جيد حتى تنتج فى النهاية إنتاجا وفيرا يغطى التكلفة ويحقق أرباحًا، وبسبب تأخر صرف الأسمدة من الجمعيات الزراعية أو احتياج الأرض إلى أسمدة أكثر من التى يحصل عليها من الجمعيات الزراعية، يضطر الفلاح إلى شراء ما يحتاجه من السوق الحر بضعف ثمن السماد فى الجمعيات الزراعية.
ويبقى السؤال ماهو الاقتراحات لنهضة الزراعة والفلاح؟
زيادة الاستثمارات العامة فى القطاع الزراعى، واستخدام سياسات جديدة فى الزراعة عن طريق الإعتماد على التكنولوجيا الحديثة والبحوث الزراعية، تحسين سلسلة تسويق المحاصيل، سواء التخزين والتبريد والنقل أو إنشاء الأسواق الجملة فى المحافظات، فضلا عن زيادة تفعيل دور مركز البحوث الزراعية حتى يستطيع توفير أفضل البذور للفلاحين، وتشديد الرقابة على سوق المبيدات التى تباع للمزارعين، لا مفر من استخدام سياسات جديدة فى الزراعة عن طريق الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والبحوث الزراعية بشكل كبير لتحقيق أقصى استفادة من هذه الكميات المحدودة من المياه والرقعة الزراعية الصغيرة، كما يجب إنتاج أصناف تقاوى عالية الإنتاجية توفر المياه، فضلا عن ضرورة التخطيط طويل الأجل للزراعة حتى 2050، بسبب مأزق المياه الذى تواجهه مصر حاليا، ليس بسبب سد النهضة فقط وإنما بسبب الزيادة السكانية الكبيرة التى تؤدى إلى خفض نصيب الفرد من المياه إلى 400 متر مكعب مقارنة بـ600 متر حاليا.
– حل مشاكل تسويق المحاصيل، لأن 30% تقريبا من الإنتاج الزراعى فى الخضراوات والفاكهة تفقده الدولة، و10% فى الحبوب بسبب التسويق السيئ للمحاصيل، ولذلك لابد من تحسين سلسلة التسويق، سواء التخزين والتبريد والنقل أو إنشاء الأسواق الجملة فى المحافظات، لأن مصر لا يوجد بها سوى 4 أسواق لبيع الجملة فقط، وهذه مشكلة كبيرة للفلاح وخاصة إذا كان من محافظات بعيدة لأنها ترفع تكلفة النقل عليه بشكل كبير.
– ضرورة عودة دور التعاونيات من جديد فى مسألة التعامل مع الفلاحين وخاصة الصغار منهم لتنظيم العمل بشكل أكبر، إضافة إلى ضرورة التوسع فى استخدام الطاقة الجديدة فى توليد الطاقة للزراعة من أجل تخفيض التكلفة على الفلاحين وضخ استثمارات ضخمة فى هذا المجال.
– المكافحة والقضاء على مبيدات مصانع بير السلم التى لا يعلم مصدرها الفلاحون وتؤثر على التربة والمحصول، ولذلك يجب تشديد الرقابة على المبيدات التى تؤثر فى النهاية على صحة المواطن، كما أنه لابد من وجود رش إجبارى ومكافحة للآفات والأمراض التى تصيب المحاصيل الزراعية بشكل مستمر حتى لا تتلف المحاصيل.
– ضرورة عودة الإرشاد الزراعى للقرى من جديد بعد انقراض هذه الوظيفة تقريبا خلال السنوات السابقة، لافتا إلى أن بديل موظفى الإرشاد الزراعى هو نزول الـ13 ألف باحث الموجودين فى مركز البحوث الزراعية من مكاتبهم إلى الأراضى الزراعية والتواصل مع الفلاحين، بإحلال الباحث محل المرشد الزراعى.
– إنشاء صندوق دعم الفلاح ضد الكوارث دون تكليف الدولة أى مصروفات من خلال فرض رسوم بسيطة على كل من يعمل فى إطار الاقتصاد الزراعى، فضلا عن ضرورة تقنين أراضى وضع اليد والتصالح مع الفلاحين لتحصيل مليارات الجنيهات الدولة فى أشد الحاجة إليها، وإعطاء الأراضى للفلاحين بنظام الانتفاع من أجل زيادة مساحة الرقعة الزراعية بدلا من التعدى على الأراضى الموجودة حاليا.
الفلاح هو الأصل، مواطن من الدرجه الأولى، مهنة جوهرها الأمن القومى، إن حل مشكلة التعدى على الأرض الزراعية هى من أهم الحلول الجادة لتحسين أحوال الفلاح وتوفير حياة كريمة، مطالب هو فى الأصل يستحقها بجدارة، تحية لكل من فلاحي الوطن، لكل من روت الأرض بعرقهم وتعبهم وكدهم وعملهم ، كانوا حماة الأرض والكرامة ، تحية لفلاحين «قرية دنشواي» وضحايا القطاع في «قرية كمشيش»، إلى صلاح حسين وشاهندة مقلد، والشيخ عراقي، وعريان نصيف، وغبريال زكي، وعبيد عياد، وفؤاد ناشد، والشيخ السعيد، تحية إلى روح «الفلاح الفصيح» عبدالمجيد الخولي عضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور 2014، في ذكرى «عيد الفلاح »، يقول الشاعر«عبدالمجيد راشد » :-
مين اللى ما مالشى.
ولا حادشى
ولا بعدشى.
عن دربه
و لا الزمن دار به.
و فى ليلة عتمة.
ناب الوحوش و الديابة
غدر به
مين اللى صوت الفلاحين
دمه
حارب و لاهمه
الأرض عرضه
و جدره و أمه
قالها بروحه وجوارحها
الأرض للى يفلحها
الأرض لفلاحها
الصوت لمين
يا شهيد الأرض
يا صلاح يا حسين
يا زهرة ف الأوراق
كمشيش
بهوت
حماد
سرسو
سراندوا
و لا فلاحين مرشاق
العدل سكة و طريق
للحلم و العشاق
فاتت سنين و سنين
ولسه الفلاحين مستضعفين
مظلومين
على أمرهم مغلوبين
مين اللى صوتهم مين
يا شهيد يا نور العين
إخواني وأحبابي فلاحين و فلاحات مصر العظماء، هذا عهد مصر بكم .. العمل وبذل الجهد والتضحية، وتوفير الخير لشعبنا وأمتنا، وكل عام وأنتم بخير .