دائما منورة
بقلم اللواء دكتور/ سمير فرج
مقالي الاسبوعي في جريدة الاهرام الخميس الموافق 2 يناير 2025
خلال الأسابيع الماضية لم أدخل مكاناً إلا واستقبلني رواده بجملة
“دايماً منورة” …
في البداية لم أفهم ما يعنون
ولكن أخيراً أخبرني أحدهم أنها الكلمات التي يحب المشاهدين سماعي أكررها في كل أو معظم لقاءتي التليفزيونية
عند عرض خرائط لمصر عندما أقول “شوفوا مصر منورة إزاي في وسط المنطقة اللي حوالينا”.
والحقيقة أن تلك الكلمات تخرج مني تلقائياً، بصورة عفوية في كل مرة أتابع ما آلت إليه المنطقة
فإن نظرنا غرباً، إلى ليبيا، نجدها، منذ رحيل القذافي، منذ 13 عاماً، لم تجرِ انتخابات برلمانية ولا رئاسية
وهو ما أدى لضياعها، وانقسامها بين حكومتين، متناحرتين، واحدة في طرابلس برئاسة دبيبة المنتهية ولايته، والأخرى في بنغازي.
وبينما تُنفق كل أموال ليبيا على المرتزقة الوافدين إليها من شمال سوريا، والدول الإفريقية المجاورة
فمنذ رحيل القذافي لم يُنفق دينار واحد على بناء مدرسة، أو مستشفى، أو طريق، أو أي استثمارات
حتى أن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، باتيلي، استقال من منصبه بها، بعدما فقد الأمل في الحل.
وإن ما نظرنا ناحية الطرف الشرقي، رأينا غزة ممزقة، وغارقة في أحزانها التي لا يعلم أحد متى ستنتهي.
بينما في العمق الاستراتيجي لجنوب مصر، تجد 5 مليون سوداني مشردين عن منازلهم
وقد انتقلوا إلى معسكرات إيواء في محافظات سودانية مختلفة، ليشكلوا أكبر مجاعة تشهدها أفريقيا
ولتدخل السودان نفقاً مظلماً، لا يرى أحد نهايته.
أما اليمن الشقيق الذي كنا نعرفه دوماً سعيد، نراه يمر اليوم بأسوأ أزمة في تاريخه
بعدما سيطرت عليه ميليشيات الحوثي، فجعلت من أرضه مسرحاً لضربات موجعة من التحالف العسكري الدولي المكون من أمريكا وإنجلترا وفرنسا وإسرائيل
الذي يقوم بتدمير بنيته الأساسية من المياه والكهرباء والصرف الصحي والطرق والكباري والمستشفيات والمدارس
وهو ما يُنبأ بكارثة إنسانية ستعاني منها اليمن لسنوات قادمة لا يمكن لأحد أن يجزم بأمدها.
وإن عدنا للشمال الشرقي، رأينا لبنان، سويسرا الشرق، يعيش منذ سنتين بلا رئيس جمهورية
وبلا رئيس وزراء إذ يدير البلاد حكومة تسيير أعمال ثم بدأت بعدها الضربات الإسرائيلية ضد حزب الله في لبنان فدمرت البنية الأساسية بها
بزعم القضاء على مواقع حزب الله، ومكاتب الصيارفة العاملة لصالحه، فلم يتصور أحد أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بقصف شارع الحمراء في العاصمة اللبنانية، بيروت
الذي يعج بالأسواق والمطاعم. يضاف إلى ذلك استيلاء إسرائيل على آبار الغاز، واستغلالها لصالحها، بينما تعاني لبنان من نقص حاد في إمداداته
لدرجة أنه في الأسابيع الماضية أظلمت بيروت لمدة ثلاثة أيام
ولم ينقذها إلا إرسال الجزائر لسفينة غاز هدية للشعب اللبناني.
وحتى كتابة هذه السطور، لا يمكننا الجزم بمدى التزام إسرائيل بالهدنة المتفق عليها لوقف إطلاق النار، في ظل تكرار الخروقات
التي وثقها وزير خارجية لبنان في مذكرة لمجلس الأمن.
أما سوريا الجريحة فإنها تعيش أسوأ فتراتها بعدما نجح أبو محمد الجولاني في الاستيلاء على مقاليد حكم البلاد، لتسيطر جبهة النصرة على سوريا الحبيبة
وهو ما استغلته إسرائيل بإضافة جريمة جديدة لسجل جرائمها الدولية، بالانقضاض على الجيش السوري وتدمير جميع الرادارات ومواقع صواريخ الدفاع الجوي
وعدد 500 طائرة مقاتلة، والقواعد الجوية، فضلاً عن تدمير جميع القطع البحرية السورية، ومخازن الأسلحة الرئيسية
ومجمع الصواريخ الباليستية، ومحطات التجسس وجميع الأسلحة، خاصة الفرقة الرابعة المدرعة، ولواء الحرس الجمهوري.
ولم تكتف بذلك، بل استولت إسرائيل على منطقة جبل الشيخ الحدودية، لتحكم سيطرتها على كامل هضبة الجولان، ولا يفصلها عن دمشق إلا بعض الكيلومترات
لتصبح بذلك تحت مرمى النيران الإسرائيلية، في ظل فقدان سوريا لقواتها المسلحة.
ولا أظنني بالغت عندما قلت، في أكثر من مناسبة، أن فرحة السوريين بالتخلص من بشار الأسد، لابد وأن يقابلها حزن شديد، وبكاء
على ما آل إليه الجيش السوري، وجبل الشيخ، فمن يدرك خطورة ذلك، يعي أن سوريا أصبحت دولة بلا دولة، وهو ما سيجرها إلى هاوية سحيقة، لا يُرى قاعها
ما بين تحديات توحيد آلاف الفصائل الإسلامية تحت لواء وزارة الدفاع، ومشكلة حماية الأقليات، خاصة الأكراد، فضلاً عن تحدي الاندماج
مرة أخرى مع العالم الخارجي فرغم رفع الولايات المتحدة الأمريكية لاسم أبو محمد الجولاني من على قوائم الإرهاب،
إلا أن ذلك لا يعني أبداً السماح لسوريا بالانفتاح على المجتمع الدولي، الذي لن يقترب منها إلا بكثير من الحرص والتحفظ.
وإن مددنا النظر للعراق، وجدنا عناصر الحشد التابعة لحزب الله
لازالت تسيطر على شؤون البلاد، رغم كثرة المحاولات العراقية للخروج من تلك العباءة الإيرانية
والحفاظ على سيادتها على أراضيها. يضاف لذلك شبح تقسيم العراق، بعدما أعلن الأكراد في شمالها، استقلالهم لمدة عدة شهور
رغم تراجعهم بعد ذلك، إلا أن احتفاظهم ببرلمان خاص وقوات مقاتلة مستقلة، أطلقوا عليها اسم
“جيش” البشمرجة فضلاً عن سيطرتهم على كركوك وآبار النفط، لا زال يشكل تهديداً لوحدة العراق.
وبنظرة شاملة للمنطقة، نجد أن مصر هي الدولة الوحيدة “المنورة” بوعي شعبها، الذي خرج يوم 30 يونيو 2013 لينهي حكم الإخوان وبجيشها القوي المصنف الأول عربياً وأفريقياً
الذي يؤمن حدودها ووحدتها واستقرارها ويا رب تفضل دوماً منورة بحفظ الرحمن الرحيم، وقوة وتماسك شعبها
وإصرار جيشها على تحقيق الأمن والسلام.