خصوصية ليست للعموم
بقلم: عمر الشريف ….
إن الحديث عن حياتنا الشخصية ليس بالضرورة أن يكون حديثاً ماتعاً لطيفاً ذو أهمية للآخرين، حتى وإن أظهر لنا المستمعون الاهتمام، وألقوا إلينا آذاناً صاغية، ففي بعض الأحيان قد نندفع للكلام عن خصوصياتنا بغرض تخفيف ضغوطنا النفسية، أو أنه أصابتنا حالة انفعالية أثناء جلوسنا مع أحدهم فأخذنا نتكلم بشكل عفوي.
فمن يستمع إلينا من الناس ونحن تتحدث عن مشاكلنا الشخصية أصناف وأشكال، فليسوا كلهم على درجة واحدة وفي المستوى نفسه، فهم يختلفون في الوعي والذوق والأخلاق.
فمنهم من يستمع إلينا على نحو المجاملة والذوق في الإنصات إلينا وعدم مقاطعتنا، كونه لا يرغب في إحراجنا في الحديث، ولكن هذا النوع من المستمعين يقول في نفسه: وما علاقتي أنا بذلك؟! وماذا تتوقع مني أن أفعل؟! ومتى ينتهي هذا الحديث الممل؟!
وهناك صنف آخر قد يستمع لمجرد الفضول والتسلية ليس إلا، وهذا النوع قد يظهر التعاطف والانفعال مع الأحداث التي نرويها، ليستثير فينا الإكثار من سرد الوقائع والغوص في التفاصيل التي نتكلم بها عن خصوصياتنا، فهو لا يعطي أهمية للحديث إلا بقدر ما يضيع به الوقت، ويطرد به الملل عن الجلسة معنا، ولكن لمجرد أن ينتهي الحديث ننتهي نحن من حيّز فضوله، فوجوده معنا كان مع القصة لا أكثر.
ونأتي الآن إلى الصنف الأدهى والأمر، وهو الصنف الذي قد يستمع إلينا لمجرّد هواية النميمة التي يتقنها في نقل أخبار حياة الناس والحديث عنها، ونحن بمثل هذا الحديث عن أنفسنا نكون قد منحناه جائزة، وسهلنا له المهمة، فهو قد حصل منا على مادة دسمة للحديث عنا أمام الآخرين، وهذا النوع سينم عنا وسيفضح حياتنا بدعوى التعاطف معنا كما يدعي وإظهار مدى ألمه لمصابنا، أو أن ما يتكلم به إنما هو حديث عادي “وفق فهمه المعوج طبعاً” فهو لا يرى في الحديث بأساً ولا مانعاً، متجاهلاً ومتناسياً بقصد وبدون قصد، حرمة النميمة وقدسية خصوصيات الناس وأن المجالس بالأمانة .
وبرأيي فإن الحياة الشخصية يجب أن تكون في موضع من القدسية والاحترام بين الناس، فالخصوصية الشخصية ليست مسرحية يتم عرضها كعرض مستمر لكل من جمعتنا به الظروف، كجار مسكن أو زميل دراسة أو زميل عمل، أو حتى صدفة مقعد في حافلة نقل، فالحياة الشخصية الراقية هي لا نتحدث بها أمام كل من هب ودب من البشر، فإذا
أحببنا أن نتحدث عن مشكلة شخصية بغرض البحث عن جواب، أو استشارة في معرفة حل، فالنختار شخصاً أميناً عاقلاً، نعرف عنه الصدق والأمانة والدين والأخلاق، لأن الحديث مع غير الشخص الناصح الأمين سيجر علينا ندماً مريراً ولو بعد حين.