خاطرة للتذكير والتنوير …
الحلقة الثانية 2
بقلم د. ابراهيم الجمل
رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف
17 من ربيع الأنور 1446 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
الموافق 19 سبتمبر 2024 من الميلاد
إجابة عن سؤال غاية في الأهمية
س:
ما هو أهم سر للعطاء والرخاء والهناء الذي يبحث عنه الخلق جميعاً ……..؟
من الأهمية والبركة والفضل في شهر ميلاد سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم
أن نعلم أن نبينا المصطفى والمجتبى صلى الله عليه وسلم كان أكثر الخلق عطاء من ربه
فأعطاه الله وفضله وكرمه وخصه بخصائص صلى الله عليه وسلم تكاد تكون قد خصه بها وحده من العالمين صلى الله عليه وسلم
من هذه العطاءات التى لا تكاد تعد ولا تحصى …
غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
قال تعالى:
“لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا”
[الفتح : 2]
قال تعالى:
“وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ” “الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ”
[الشرح : 3]
شرح له صدره ووضع عنه وزره ورفع في العالمين ذكره
“أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ”
سورة الشرح
هو خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم فلا نبي بعده …
قال تعالى:
“مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا”
[الأحزاب : 40]
صاحب الرسالة العالمية
خير كتاب أنزل وأدوم وأفضل معجزة
قال تعالى:
“وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”
ما من نبي أعطي معجزة إلا وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مثلها
فكان له نبع الماء من بين أصابعه
روى أنس بن مالك :
“أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإنَاءٍ، وهو بالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ في الإنَاءِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَنْبُعُ مِن بَيْنِ أصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ قالَ قَتَادَةُ: قُلتُ لأنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قالَ: ثَلَاثَ مِئَةٍ، أوْ زُهَاءَ ثَلَاثِ مِئَةٍ. رواه البخاري
وحنين الجذع إليه
فعن عبدالله بن عمر قال:
“كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ إلى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إلَيْهِ فَحَنَّ الجِذْعُ فأتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عليه.”
رواه البخاري
وحديث الشاة المسمومة إليه وعصمة الله له من الناس :
قال تعالى:
“وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” المائدة
وكان يرى من خلفه كما يرى
من أمامه صلى الله عليه وسلم ،
وجمع له الانبياء فصلي بهم إماما ووصل إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى …
نصر بالرعب مسيرة شهر وأرسل إلى الناس عامة وجعلت له الأرض مسجداً وطهورا وأحلت له الغنائم .
فعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ.”
رواه البخاري
جعل أمته خير أمة أخرجت للناس أكثر النبيين تبعاً يوم القيامة علماء أمته كأنبياء بني إسرائيل .
أهدي إليه يوم الجمعة وأهدي إليه القبلة الحنيفية وجعل أمته هم عمار أول بيت وضع للناس وهم سدنة وخدام البيت الحرام
لم يناديه ربه سبحانه وتعالى باسمه صلى الله عليه وسلم مجرداً مثل إخوته من الأنبياء …في القرآن الكريم
فناداه ربه :
يا أيها الرسول
يا أيها النبي
وكان له في الاخرة
الظل الممدود والحوض المورود والمقام المحمود واللواء المحمود بالشفاعة العظمى وهو شاهد يوم القيامة على كل شهود …
صلى الله عليه وسلم
ولعلك تسأل الآن ما السر في هذا العطاء وهذا الاصطفاء …
والإجابة.
والسر هو شهادة الله له بأنه صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم
قال تعالى:
“وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”
[القلم : 4]
فكان على خلق عظيم في كل شيء تعرض له وكل شئ أبتلي به …
فكان خلقه القرآن …
وكان قرآنا يمشي على الارض … ،
عن عائشه رضي الله عنها:
“سألتُ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها عن خُلقِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالت: كان خُلقُهُ القُرآنَ؛ يَرضى لرِضاهُ، ويَسخَطُ لسَخَطِهِ.” البخارى
وهو النبي الذي بشره
ربه بغفران الذنب مطلقا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم …
وهذا هو أهم سر للعطاء والفضل والاصطفاء وسر كثرة العطاءات التي منحها الله سيد الخلق وحبيب الحق في الدنيا والآخرة ….
فما أحوجنا إلى أن نهتدي ونتشبس وننهل ونتخلق بصاحب الخُلق العظيم صلى الله عليه وسلم
كان خلقه العظيم مع الله
فكان يقوم لله حتى تتورم قدماه ، وكان لا يغضب إلا إذا أنتهكت حرمة من محارم الله …
خلقه العظيم
في كل ما تعرض له من ابتلاء واختبار ، عندما نال منه قومه بالسباب والاستهزاء والسخرية
عندما حوصر في شعب أبي طالب ثلاث سنوات
عندما صدوه عن دخول البيت الحرام عندما أدموا قدمه في الطائف صلى الله عليه وسلم
عندما طلقت بناته لأنه جاء بالرسالة عندما أخرج من أحب البلاد إليه ، عندما فتح مكة المكرمة
خلقه العظيم صلى الله عليه وسلم مع إخوانه من الأنبياء والمرسلين
فكان يقول رحم الله اخي موسي …
خلقه العظيم صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وآل بيته الأطهار
شئ لا يحصي …
خلقه العظيم مع
خصومه وأعدائه كان رحيماً حديث الرجل الذي أخذ السيف والنبي صلى الله عليه وسلم نائم. …
عن عبدالله بن جابر قال :
“دَعَانَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَجِئْنَا، فَإِذَا أعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ: إنَّ هذا أتَانِي وأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي، فَاسْتَيْقَظْتُ وهو قَائِمٌ علَى رَأْسِي، مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قالَ:
مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟
قُلتُ: اللَّهُ،
فَشَامَهُ ثُمَّ قَعَدَ، فَهو هذا قالَ: ولَمْ يُعَاقِبْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.”
موقفه مع أهل مكة عند الفتح قوله صلى الله عليه وسلم وهو في الطائف اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون …، دعا الله أن يهدي قومه
وأن يعز الإسلام بأحد العمرين …
خلقه العظيم مع
الأنعام والجمادات الحديث مع الحمرة التي فجعوها في أفراخها .
عن عبدالله بن مسعود قال:
“كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في سفَرٍ فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَّرةً معَها فرخانِ فأخَذنا فرخَيها فجاءت تعرِشُ فجاءَ النَّبيُّ فقالَ : مَن فجعَ هذِهِ بولدِها ؟ ردُّوا ولدَها إليها. ورأى قريةَ نملٍ قد حرَّقناها.
فقالَ :
مَن حرَّقَ هذِهِ ؟ قُلنا : نحنُ قالَ : إنَّهُ لا ينبَغي أن يعذِّبَ بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ” البخاري
حديث بكاء الجذع إليه وضم النبي صلى الله عليه وسلم إلي صدره الشريف صلى الله عليه وسلم …
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال:
“كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ إلى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إلَيْهِ فَحَنَّ الجِذْعُ فأتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عليه” البخاري
خلقه العظيم مع
الملوك والرؤساء الأعاجم …
فخاطبهم خطاب العارف لقدرهم … إلى فلان عظيم ….
ولم يخاطبهم بالامتهان أو التعالي صلى الله عليه وسلم .
خلقه العظيم مع
أصحابه الكرام صلى الله عليه وسلم
عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال
” قال صلى الله عليه وسلم الله
لا تَسُبُّوا أصْحابِي؛ فلوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ” رواه البخاري
صلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وأسوتنا وقدوتنا … الذي نفديك بأنفسنا وأولادنا وكل غالي ونفيس وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين
جمعة طيبة مباركة علينا وعلى البلاد والعباد يا رب العالمين
إبراهيم الجمل
الجمعة 17 ربيع 1446 ه
الموافق 20 سبتمبر 2024 م