كتبت هدي قاسم
قال الكاتب والمفكر حسن إسميك، إن العديد من الأسئلة تطرح نفسها بسبب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويجب عندها وقفة، فهل التقط ماكرون عدوى الطائفية الأثيمة من
المسؤولين اللبنانيين يوم التقاهم في بيروت؟، مشيرا إلى أنه قال “لن نتخلى
عن الرسوم الكاريكاتورية”، وذلك في معرض تعليقه على الرسوم المسيئة عن
النبي محمد عليه الصلاة والسلام التي أعادت المجلة الفرنسية نشرها مجددا
بعدما كانت قد أقامت الدنيا ولم تقعدها في العام 2015.
تابع: فهل أراد ماكرون من ذلك إثارة زوبعة من شأنها أن تغطي على الجدل
الذي ما زال مستمراً حول الأزمة التي تعيشها فرنسا في ضوء عودة احتجاجات
السترات الصفراء المناهضة لإدارته للبلاد؟. ولكن حول ما سماه “الإسلام
المأزوم”، فهل هو جاد حقاً في تنفيذ الخطة التي أعلنها للتصدي للراديكالية
الإسلامية، معتبرا بقصدٍ، أو من دون قصد، أن “الإسلام دينٌ يعيش أزمة في كل مكان”؟.
مشيرا إلى أنه لو ذكر أن “المسلمين هم من يعيشون في أزمة” وليس الإسلام، لما تسبّب في هذه العاصفة. أم أنه وقع في شرك المصطلحات وخانته اللغة؟ أو لعله انضم إلى التيار السائد من مروجي
الإسلاموفوبيا، الذي يضم أنصار اليمين المتطرف الذي بات منتشراً في معظم أنحاء أوروبا واتباع الاتجاه الراديكالي
العلماني الذي لا يخفي عداءه للأديان كلها وبالتالي لا يستثني الإسلام منها؟
وأكد حسن إسميك، أن تسمية الاصطدام
الدائم بين فرنسا والمسلمين حول العالم،
يكمن في “الإسلام السياسي”، لافتا إلى أن معضلة الإسلام السياسي الداخلية تتمثل في اقترانه العضوي بالإرهاب، واستخدام العنف والقوة، اللذين تطلّب تبريرهما تكفير مجتمعات تختلف مع هذا الفكر حتى ولو كانت مسلمة، واستباحة
دم الأفراد الذين رفضوا هذا التوجه وتصدوا له، وإن كانوا مفكرين أو علماء
دين مشهود لهم بالإيمان والتقوى.
ونوه بأن صلته العضوية بالعنف ساهمت في تفاقم مشكلة علاقته مع الغرب التي يمكن إيجاز أسبابها بترويجه لخطابٍ
مناهضٍ للحضارة الغربية ورافض للقيم
الأوروبية التي ضحّى الغرب لأجلها وقدّم ضحايا في سبيلها. لذا تعتبره فرنسا، وباقي الدول الأوروبية التي أسّست
مجتمعات تعددية ديمقراطية، خطراً عليها.
وأوضح أن الإسلام السياسي يشغل قادة أوروبا ومفكريها وسياسييها، ويتابعونه
عن كثب، وبقلق، لأنه خطر يتعاظم يوماً بعد يوم نتيجة ازدياد عدد المسلمين من المهاجرين إلى بلدانهم أو أبنائهم بشكل
رئيس، وجرّاء عوامل أخرى أيضاً ذكر ماكرون بعضها في خطابه الشهير، ومنه
ا فشل عمليات دمج الوافدين والتراخي في معالجة مشكلاتهم الاجتماعية
والاقتصادية، ما ساهم في استقطابهم من قبل الإسلام السياسي. ولا أريد هنا أن أذكر أسباباً أخرى ليس من الوارد أن يتحدث عنها رئيس دولة أوروبية،
كالتحيز الغربي ضد المهاجرين المسلمين،
وحرمانهم من تكافؤ الفرص، واعتبارهم موضع شك بشكل دائم، خاصة منذ حقبة
مكافحة الإرهاب التي أطلقتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول مطلع العقد المنصرم.
تابع؛ بعد اللغط الكبير الذي أثاره خطابه، ثم وقوع جريمة قتل المدرس باتي التي صُنفت عملاً إرهابياً، والكثير من الأخذ والرد وإعادة نشر الرسوم المسيئة، فالدعوة إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، أطل ماكرون عبر وسائل الإعلام ليشرح للعرب المسلمين ما قصده فقال “ما أُريدأن أقوله، عَكْس الكثير مما سمعته في الأيام الماضية، وهو أن بلدنا ليس لديه مشكلةً مع أي ديانة في العالم لأن
كل الديانات تُمارَس بحرية في بلدنا،
بالنسبة للفرنسيين المسلمين كما للمواطنين في كل أنحاء العالم الذين يعتنقون الإسلام. أريد أن أقول لهم، إن فرنسا يُمارَسُ فيها الإسلام بكل حرية، وليس هناك من وصم أو تفضيح، كل هذا خطأ، وكل ما يقال خطأ”. و”الوصم”
و”التفضيح” هنا يعنيان هنا إلصاق تهمة
الارهاب بالمسلمين جميعا، مثلاً كما هو
شائع في أغلب وسائل الإعلام العربية.
وأكد ماكرون أنه انتشر: “أنني أدعم الرسوم الكاريكاتورية التي تهين النبي، وهو لم يقل ذلك أبداً، أولاً، فهذه
الكاريكاتورات تطال جميع الأديان، ليس هناك كاريكتورات موجهة ضد دين دون آخر، وهي أيضاً تطال جميع الزعماء
السياسيين؛ وثانياً، قلت إنني أحمي هذا الحق لأن هذا دوري، واعتبر أننا في المجتمع يجب أن نقبل احترام كل فرد
ونحميه.
ونوه بأن ماكرون كان واضحاً، فلم يقدم
اعتذارات مجانية لتهدئة صخب المستنكرين، ولم يورد جملاً إنشائية توحي برغبة في التملّص مما يحصل، بل قال على الملأ، لستُ هنا لأؤُسّسّ نظاماً
أخلاقياً في المجتمع، أو كي أُعيد تعريف الحرية في الجمهورية الخامسة كُرمى د
لدينٍ ما، وظيفتي هي أن أحمي الدستور
والقانون فقط لاغير .
ظهرت “الصوابية السياسية” عند ماكرون عندما قال “إن الإرهاب الذي
مُورس باسم الإسلام هو آفة المسلمين في العالم”. وأضاف “معظم ضحايا
المسلمين هم أوّل ضحايا الإرهاب الذي يُرتكب باسم الإسلام، هذا الإرهاب ضربنا على أرضنا، ثم هناك فئة ثانية قررتُ أن
أُكافحها، تَشَكّل لديها سوء فهم بسبب مشكلة في الترجمة، إن ما نسميه في فرنسا الإسلام المتطرف، أعني بذلك المتطرفين العنيفين، الذي يحورون ا
لدين ويرتكبون العنف داخل الإسلام، وفُسر هذا الكفاح الذي أقوده على أنه كفاح ضد الإسلام”.
مجدداً، وقع المسلمون الغاضبون ضحايا مصيدة الـ Mainstream Thinking، أو ما يُسمى في علم النفس الاجتماعي بـ “التفكير السائد”.
فالإنسان بطبعه اجتماعي لا يرغب بالتفرد ولا يريد أن يُشكل جبهة لوحده ضد البقية الاكثرية في الجبهة الأخرى.
على العكس تماماً، سيوافق على أي شيء تُمليه عليه الجماعة، مرتاحاً ومطمئناً في
منطقته الآمنة، ليس مستعداً للتفريط برضا القطيع عنه. فسياسة الضدّ تخيفه
وتقلقه، كما أنه لا يحبذ برودة فكرة البقاء
خارج السرب الذي اهتاج الآن وقرر
الجهاد في سبيل الجُبنْ. لم يعد هؤلاء يريديون أجبان فرنسا بعد اليوم، ولا
عطورها ولا ثيابها الفاخرة، ولو كان الأمرد بيدهم لقالوا لا نريد طائراتها أيضاً.