ثورة تسابق الزمن وتختصر القرون وتحطم المركزية الإبداعية
بقلم: أسامة حراكي……
تحتل مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها مواقع الصدارة من حيث تبادل الأفكار والنقاشات على مختلف الأصعدة، والمجال الأدبي بدوره ينتعش من هذه المنصات الرقمية المستحدثة باستمرار، حيث تكثر الصفحات الأدبية والثقافية على مواقع فيسبوك، والتغريدات الأدبية على تويتر، كما ينشاً يومياً العديد من المجموعات الأدبية والثقافية على واتس آب وسناب شات وتليغرام وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي.
خلقت مواقع التواصل الاجتماعي نوعاً جديداً من التسويق في جميع المجالات، من بينها عالم الإبداع، فالكُتاب وخاصةً الشباب استفادوا من هذه المواقع في تسويق ونشر أعمالهم، فبعضهم يرى أن “السوشيال ميديا” أداة إعلامية قوية أفادتهم في نشر أعمالهم مما أدى إلى انتشار أسماءهم وخدمتهم من ناحية تجاوز المحلية والوصول لكل مكان، أياً تكن السلبيات سواء سرقة النصوص أو انتشار الأدب الرديء، لكن يبقى للقارىء الذكي ذائقة التمييز .
أصبحت “السوشيال ميديا” عصب التواصل التجاري والإقتصادي والسياسي والإدبي، والعصى السحرية التي بإمكانها أن تفعل ما قصر الدهر في فعله طوال ما مضى من الوقت، أمام أولئك الذين كانوا موهوبين وعباقرة، لكنهم لم يستطيعوا إيصال إبداعهم وعبقرياتهم إلى أحد،
فطويت مواهبهم مع آخر صفحة في كتاب حياتهم، أما اليوم الكل يستطيع أن ينشر ما يريد ويشارك في مسابقات وفعاليات ومؤتمرات أدبية، يستطيع أن يجد له على الأقل جمهوراً في صفحته، يستطيع أن يطبع بمبالغ زهيدة، أو حتى مجاناً عبر دور النشر الكثيرة، وأصبحت المطبوعات أوفر والفرص أغزر، والصفحات الشخصية مكتظة، ومن ثم ظهرت الكثير من المواهب الحقيقية، وسطعت وتبوأت أماكن الصدارة، وأصبح هناك تنافس حقيقي وجاد، من خلال الإطلاع على مزيد من التجارب الأدبية المتنوعة، والتي تقدم مزيجاً لكل أنواع الكتابة الأدبية بأيديولوجياتها المختلفة وبأجناسها المتنوعة.
أصبحت “السوشيال ميديا” تسابق الزمن وتختصر القرون وتعطي الخيال أقصى مدى وفسحة من الإبحار، لتخدم هذه التكنولوجيا الأدب والأدباء، ولتظل وسيلة ملحة جداً وداعمة للكُتاب وملهمة لهم، لأنها جسر سريع وبديع لكل جديد، ولا شك في أن هذا التلاقح يستطيع أن يوصل الأديب المحلي عربياً من خلال دور النشر ومعارض الكتاب والتبادل الثقافي من خلال الندوات وورش العمل والمؤتمرات،
ومن البديهي أن يصل عالمياً إذا ما أتقن السير وسط هذا السيل التكنولوجي الجرار، عبر الترجمة وعبر دور النشر التي قد ترشح العمل إلى جائزة عالمية أو دولية، او حتى بدون جوائز، فيكفي أن تترجم الأعمال وتصبح مقروءة في الخارج، ومن ثم يصبح كُتابها أدباء عالميين.
منصات التواصل الاجتماعي خلقت فضاءً جديداً ومساحة تفاعلية نوعية ومختلفة، تشكل ثورة في مجال التلقي والتفاعل، بحيث بات الإبداع تشاركياً وآنياً في الوقت نفسه، بعد أن كان المبدع معزولاً عن متلقيه، لا صلة بينه وبينهم ولا ردات فعل متبادلة في ظل وجود وسائط كالمطبعة أو الإعلام التقليدي، لكن اليوم تمارس الشبكات دور الوسيط التفاعلي، حيث القراء في مواجهة المبدع، والمبدع يتلقى ردوداً في الحال حول إبداعه.
والحديث عن ثورة وسائل الاتصال الاجتماعي حديث ذو شجون، فإن أهم ما يمكن الحديث عنه هو تحطيم المركزية الإبداعية بفضل “السوشيال ميديا” وما خلقه من أدب تفاعلي، ففي عصر المركزية كان الأديب يعاني الكثير من أجل إيصال صوته وإبداعه للآخرين، وكثير من الأدباء والكتاب لم يحالفهم الحظ في وصول نتاجهم إلا بعد رحيلهم، أما في عصر “السوشيال ميديا” فقد توفر للأدباء فرصة النشر والرواج الكبير ولمس أثر ذلك في حياتهم وبسهولة، ولنتذكر دائما الحكمة التي تقول: “سيموت نصف إبداعك إذا فكرت في رأي الآخرين دائماً تذكر أن لك زاوية خاصة لا ينظر للأشياء منها سواك”.