بقع الأرض فوق المياه الفيروزية.. جزر المالديف
تقرير: أسامة حراكي
بقع الأرض فوق المياه الفيروزية.. جزر المالديف
بعد انطلاقنا من مطار القاهرة بطائرة مصر للطيران وصلنا مطار أبو ظبي، الذي بقينا فيه مدة ساعتان ترانزيت، ثم ركبنا طائرة خطوط طيران الاتحاد في رحلة استغرقت 4 ساعات إلى جزر المالديف، فعندما نقول المالديف يتبادر إلى أذهاننا مشاهد المياه الصافية الفيروزية اللون، وشواطىء الرمل الأبيض المحيطة بالجزر المنتشرة فوق سطح المحيط الهندي كلوحات فنية تشكل معرضاً طبيعياً يدعونا إلى دخول عالمه الساحر، فجمهورية جزر المالديف بلد يتألف من ارخبيل لـ 26 جزيرة تضم 1192 جزيرة مرجانية منها 200 فقط مأهولة بالسكان، وتقع في جنوب غرب سريلانكا ويحيط بها المحيط الهندي، والتي حين وصلنا أجواء سمائها التصقت رؤسنا في نوافذ الطائرة ولم يكن بمقدورنا إبعاد أنظارنا عن مشهد الجزر وهي تمر الواحدة تلو الأخرى في الأسفل، وكلما ظننا أننا شاهدنا منظراً أسراً، حتى طالعنا مشهداً آخر أروع من الأول.
كان يوماً مشمساً وجميلاً حين حطت طائرتنا مطار “ابراهيم ناصر” في جزيرة هولهولي بجوار العاصمة المالديفية “ماليه” وبمجرد وصولنا المطار، حصلنا على تأشيرة دخول فورية مجانية، حيث تفتح المالديف أبوابها لجميع الجنسيات، فلا تحتاج لتأشيرة دخول قبل الوصول إليها، وحين خرجنا من المطار كان مندوباً من الفندق في انتظارنا لكي يرافقنا إليه، استقبالنا بالتلويح بالتحية المالديفية.
بعد ذلك ركبنا “لانش” قارباً سريعاً يطلق عليه القارب التاكسي، أقلنا إلى جزيرة لافياني التي يقع فيها الفندق والرحلة لم تستغرق 20 دقيقة “توجد طائرات مائية يطلق عليها طائرات التاكسي، وهي خاصة بمنتجعات المالديف البعيدة” عند بلوغنا الجزيرة التي سنقيم فيها توجهنا إلى الفندق، وما إن وصلناه حتى تلاشى عنا شعور التعب والإرهاق الذي ولده يوم سفر طويل، ليحل محله شعور غامر بالإنتعاش والسعادة والمتعة بمشهد الطبيعة الخلابة، والمزج الخيالي بين المساحات الخضراء وهي تعانق مياه المحيط الهندي الفيروزية، وما زاد المشهد جمالاً وسحراً، حُسن استقبال العاملين في الفندق، وابتسامات الترحيب اللطيفة.. الفندق بانورامي فيه تنوع فريد من الديكورات المستوحاة من أجواء الشرق الأوسط، مع لمسات هندية تعكس العلاقة الفريدة بين الطبيعة المالديفية والهندسة الحديثة، بدرجات لونية ترابية دافئة، واكسسوارات تركوازية تبعث السكينة والهدوء في النفس، وتضفي شعوراً بالاسترخاء والراحة.
استلمنا غرفنا وغيرنا ملابسنا وخرجنا بجولة بين أرجاء الجزيرة بطرقاتها الضيقة التي تحيطها النباتات والأشجار الاستوائية بكل أنواعها وأشكالها، واتجهنا إلى شاطئها الرملي الأبيض المزروع بالنخيل والأشجار المعلق بين جذوعها الأرجوحات، فتأرجحنا عليها وكان أمامنا يمتد بساط من الماء الأزرق المتلألىء تحت أشعة الشمس، نسينا لحظتها مشاهد الأبنية الاسمنتية والأبراج الشاهقة، واختفت من آذاننا أصوات الضجيج المزعج، وأصبحنا في عالم آخر عنوانه الاسترخاء والاستمتاع بجمال الطبيعة المالديفية، فهي الوجهة رقم واحد في العالم لأيام أو شهر العسل، وتعد واحدة من أدنى نقاط اليابسة على سطح الأرض، إذ يبلغ ارتفاعها خمسة أقدام فوق مستوى سطح البحر، وهي من أكثر الدول تأثراً من الاحتباس الحراري، وبالنظر إلى حقيقة استمرار ارتفاع البحر والتغيرات المناخية، من المنتظر أن تغرق جزر المالديف يوماً وتختفي، ويتوقع حدوث ذلك خلال المئة عام المقبلة، نتيجة زيادة ذوبان القطب الشمالي بسبب الإحتباس الحراري، لذلك الحكومة المالديفية حالياً تشتري أراضي من دول ثانية مثل أستراليا كي يهاجر لها السكان ويستوطنون فيها بعد غرق واختفاء وطنهم تحت المحيط.
حكمت جزر المالديف من قبل نظام ملكي لمدة قرن تقريباً، وفي يناير عام 1953أصبحت جمهورية، ومع ذلك أعيد النظام الملكي في العام نفسه، ثم حصلت على استقلالها في 26 يوليو 1965 بعد استعمارها لمدة 78 عاماً من قبل الاستعمار البريطاني، وفي نوفمبر 1968 أصبحت جمهورية مرة أخرى، ومنذ ذلك الحين يتم الاحتفال بيوم الجمهورية في 11 نوفمبر من كل عام، كما يتم الاحتفال بعيد الاستقلال في 26 يوليو من كل عام، حيث يقام احتفال رسمي خاص في ميدان الجمهورية، ثم تبدأ الاحتفالات في المساء وتقام مسيرات تعرض من خلالها التدريبات والرقصات التقليدية من قبل أطفال المدارس المحلية.
تتميز جزر المالديف بطبيعة خلابة وطقس معتدل وأجواء ودية مفعمة بالراحة والهدوء والمتعة،
والجو مقبول طوال السنة فيها، ليس بالحار ولا البارد، وأفضل أوقات السفر إليها هي أشهر مارس وابريل، وسبتمبر واكتوبر، حيث يكون تساقط الأمطار محدوداً والحرارة معتدلة، وجميع الإطلالات خيالية خصوصاً عند الغروب، حيث تتمازج خيوط الشمس الذهبية مع زرقة المحيط المرجانية، ويتلون الأفق بألوان كثيرة من درجات البرتقالي والأحمر والبنفسجي الحالمة، وهو الغروب الذي حرصنا على أن لا يفوتنا طيلة الثلاث أيام التي قضيناها وزرنا فيها بعض الجزر منها: “ماليه ـ هولهومالي ـ مافوشي ـ بانانا ريف ـ كاشيدو ـ فادهو ـ فافو أتول ـ الكاكاو ـ ثودو ـ اليماتا”.
جزيرة ماليه
وصولناها بعبارة بحرية وهي عاصمة المالديف الإدارية والمالية المُصنفة كأصغر عاصمة في العالم، والتي قدمت لنا فرصة رائعة في المالديف للاختلاط بسكان البلد الأصليين الذين يعملون في القطاع السياحي والخدمي الفندقي مُقارنةً بالجزر الأخرى التي تستضيف عمالة أجنبية.
قطعناها كلها خلال جولة مدتها ساعتان وهي تعد مساحةً كجزيرة الزمالك، وأشهر شيء فيها هو ساحة الجمهورية، وبنيت ساحة الجمهورية بشكل رائع وتضم العشب الأخضر، وتقع على طول الواجهة البحرية الشمالية، ينال هذا المكان شعبية كبيرة بين الكبار والأطفال حيث تقام فيها التجمعات الاجتماعية والترفيهية، وأمام الساحة مرسى كبير للسفن واليخوت والقوارب، وفي الساحة يقع المتحف الوطني وحديقة السلطان، أما غرب الساحة وجدنا بعض المباني التجارية وفي الجنوب يوجد المركز الإسلامي ومقر الحكومة، وعلى الطرف الشرقي من الميدان يقف العلم الرسمي للبلاد شامخاً، وشوراع الجزيرة تمتلىء بالسيارات على عكس باقي الجزر، فشوارعها حيوية جداً فيها الكثير من المحلات والمطاعم والبارات و”النايتات كلابز” التي يسهر ويرقص روادها حتى ساعات متأخرة من الليل، وبالنسبة للإقامة توفر المدينة خيارات مُتعددة تُلائم مُختلف الميزانيات ما بين الفنادق الراقية وبيوت الضيافة الفاخرة، وعملة جزر المالديف هي “الروفية” وكل 15 روفية تساوي دولار أمريكي.
جزيرة هولهومالي ومنتجع “باراديس أيلاند”
في اليوم الثاني قمنا بزيارة لها فهي جزيرة سياحية، ومعظم الجزر السياحية ليست تابعة للدولة، إنما هي مؤجرة بعقود دائمة لشركات استثمارية، بحيث أن كل جزيرة تستأجرها إحدى الشركات الفندقية وتقيم عليها منتجع، وغالباً يكون على كل جزيرة منتجع واحد فقط، وصلنا الجزيرة وكانت عبارة عن منتجع اسمه “باراديس أيلاند” ويعتبر من أكبر المنتجعات الموجودة في جزر المالديف، حيث أنه يتيح للزائرين إقامة رائعة مطلة على أحد شواطىء الجزيرة الرائعة، كله فيلل صغيرة صممت على شكل أكواخ من قصب النخيل والخيزران، تمتد على خط الساحل الفيروزي المغطى برمال بيضاء ناعمة، ويوجد في داخل البحر فيلل تجري من تحتها مياه البحر الفيروزية، لا نسمع فيها إلا خرير الماء وحفيف الأشجار وزقزقة العصافير، الفيلل مكشوفة تماماً أمام عناصر الطبيعة، فجدرانها زجاجية تتيح رؤية الطبيعة الخارجية بكل تفاصيلها المذهلة وملحق بها تيراس يضم جلسة أرائك للاسترخاء، وسلم خشبي صغير ينزل في بحر المحيط ، فالفيلا المائية مبنية على أعمدة فوق الماء، بينما هناك فيلات أخرى مبنية على الرمال، وبالمناسبة الفيلل نوعان:
النوع الأول فلل شاطئية: وهي مقامة على اليابسة محاطة بالأشجار كـنوع من الخصوصية ومواجهة لشاطئ البحر بكرسي بحر طولي “سن لاونجر” وكل فيلا تحتوي على بركة سباحة خاصة داخلية.
النوع الثاني وهو الأمتع فلل بنقلوز: وهي عائمة على سطح مياه البحر، والبنقلو هو عبارة عن مسكن خشبي عائم فوق الماء من جميع الجهات، وهو المسكن الأشهر ما يمثل المالديف، والسبب هو أن مساحة دولة المالديـف لا تتجاوز 300 كم مربع، والأغرب أن اليابسة تمثل منها 1% فقط، لذلك ولـقلة الأراضي نشأت فكرة أقامة المنازل العائمة على سطح الماء بالمادة الخام المتوفرة والتي هي الخشب.
وهذه الفيلات لها ممرات توصل إلى شاطىء رملي خاص بالفندق، يتوسط ساحتها مسبح يسمى “إنفينتي” ويعني “اللانهاية” وهو مسبح مشترك بين جميع نزلاء المنتجع، تحيط به الكراسي الطويلة وأشجار النخيل التي تلقي بظلالها على الكراسي، ومجموعة من الأرائك المخصصة للاستلقاء، يستمتع النزلاء وهم مسترخون بجمال المحيط وأشعة الشمس الذهبية، ويتميز المسبح بحجمه الكبير، وأحد أضلاعه مفتوح على الأفق الأزرق في خدعة بصرية جعلتنا للحظة نعتقد أننا نسبح في المحيط الهندي، ومن هنا جاءت تسميته.
قبالة الأفق الأزرق المفتوح على النسيم القادم من وسط المحيط الهندي الذي تتميز مياهه بلونها الفيروزي، وعلى الجزيرة الصغيرة الهادئة حيث لا مكان هنا لشيء سوى الاسترخاء والتأمل بعظمة الخالق في ما خلق.
كانت تجربة تناول الطعام في المنتجع تجربة مميزة، استمتعنا بتناول الأطباق الجديرة بالمناخ الاستوائي وأجواء الجزر ومنها: أطباق تونة كاندو ماس ـ وجبن البوراتا مع الباذنجان المشوي في الفرن ـ وجبن الموزاريلا والكابوريا “سلطعان البحر” ـ والبيتزا المصنوعة بالطريقة المحلية المطهوة على نار الحطب ـ والأطباق غالبا ما تكون ساخنة وحارة مع نكهة جوز الهند واستخدام الخضروات ـ والإفطار كان عبارة عن مخبوزات ساخنة وفطائر محلاة بالعسل والمربى ـ بالإضافة إلى أنواع البيض المحضر بطرق متنوعة ـ إلى جانب الفواكه الاستوائية وتناولها تحت ظلال أشجار جوز الهند، وشكلت المأكولات والوجبات التي قدمت لنا جزءاً أساسياً من تجربتنا الرائعة، فقد كان كل ما حولنا يذكرنا بأننا في مكان جميل وسط المحيط بعيداً عن مشاكل العمل والحياة اليومية، كما كانت أنغام الموسيقى المحلية الهادئة تنبعث في كل مكان بشكل يريح الأعصاب ويدعو إلى الاسترخاء، وطوال فترة إقامتنا شعرنا بدرجة كبيرة من الهدوء والخصوصية تخيم على المكان، وهو أمر سيروق كثيراً للأزواج الجدد.
جزيرة مافوشي
زرنا فيها منطقة اسمها “فارو كالوهادهيهورا” تنطلق منها كل الأنشطة الرياضية البحرية مثل الغطس العميق للاستمتاع بمشاهدة الشعب المرجانية، وفيها قناة “مافوشي فارو” التي تمتد على مسافة 2 كم، وتضم العديد من الكهوف والشعاب المرجانية واللافقاريات مثل الأخطبوط والإسفنج، وأسماك القرش الرمادية وأسماك القرش البيضاء، ومن الممكن إطعام أسماك القرش الصغيرة.
بانانا ريف المرجانية
من الجزر المثالية لتنظيم رحلات شهر عسل في المالديف فهي أول ما عُرف عن السياحة في جزر المالديف لتُصبح الآن من أشهر مواقع الغوص العالمية في البلاد، إذ توفر الجزيرة التي يُمكن اعتبارها محمية بحرية فرص رائعة للغطس لمسافات تتراوح بين5 وحتى 30 متر بين كائنات البحر الفريدة ومنها الشعاب المرجانية التي تتخذ شكل الموزة والتي تحمل الجزيرة اسمها، وعشرات الأسماك منها أنواع نادرة مثل أسماك الاسكواير والبانير، وأسماك السلمون والنهاش الأزرق والباركودا، أما من لا يُجيدون التعامل مع مياه البحر فيُمكنهم الاستمتاع أيضاً على اليابسة ما بين الكهوف الرائعة والمُنحدرات الصخرية الوعرة والممرات التي تتخللها.
جزيرة كاشيدو
جزيرة مرجانية تقع أقصى شمال العاصمة ماليه في منتصف قناة كارديفا التي تفصل بين الجزر الرئيسية في جمهورية المالديف وهي خامس أكبر جزرها، وتعد جزيرة كاشيدو من مواقع الجذب السياحي التي يُوصى بزيارتها عند السفر إلى المالديف للاستمتاع بزيارة موقعها الأثري المبني بالكامل من المرجان، والذي يميزها عن أغلب جزر المالديف الأخرى التي تركز على الحياة البحرية بشكل أكبر، ويضم موقع كاشيدو الأثري أطلال دير بوذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع أو الثامن مع آثار أخرى تمتد جذورها إلى عصور ما قبل الإسلام.
جزيرة فادهو “لؤلؤة المالديف ليلاً”:
تتميز شواطىء جزيرة فادهو بالسحر فشواطئها تضيىء ليلاً وتسمى “بحر النجوم” لأن في بحرها قناديل مضيئة، فمن أكثر الأشياء التي تجعل هذه الجُزر أكثر تميزاً هو تحول شواطئها ليلاً إلى لآلئ خلابة، يرجع ذلك إلى حدوث تلألؤ بيولوجي للكائنات البحرية الموجودة في الشواطىء، فيؤدي إلى انبعاث الضوء منها ونتيجة لوجود أعداد كبيرة من هذه الكائنات البحرية الصغيرة يبدو الشاطىء وكأنه مضيئاً بالآلئ.
لم تقتصر المالديف على شد انتباه الباحثين عن الرومانسية والحب فقط، فهي جنة لمستكشفين الأرض، ففي موقعها المميز بسواحلها المذهلة التي تغسل أمواج المحيط المتلألئة شواطئها الرملية البيضاء وخلجانها الصغيرة المنعزلة، نالت شهرة مفاجئة كمصدر للرحلات الرومانسية المثيرة، وأصبحت المالديف من الوجهات الأكثر رواجاً للسياح لما تمنحه من هدوء واسترخاء وخصوصية.