باراك اوباما
بقلم رسلان البحيصي
كان فوز أوباما بالرئاسة متوقعا ومقبولا وممكننا، وهو ما حدث بالفعل علي الرغم من جذوره الافريقية ولون بشرته السوداء في بلد يمثل فيه السود اقلية وسط بحيرة من البيض وتاريخ بغيض من الفصل العنصري لم يتخلص بعد من كل آثاره علي الرغم مما يظهر علي السطح حول المساواة الكاملة، ولكن أن يفوز الرئيس الأمريكي بجائزة نوبل للسلام دون أن يفعل أي شيء له أهمية سواء داخلية أو خارجية حتي الآن، فهذه هي المفاجأة الحقيقية التي أذهلت العالم ولم تنج حتي الولايات المتحدة نفسها من الذهول والدهشة البالغة
ولم تقتصر ردود الفعل علي الدهشة وانما سادت حالة من الانقسام حول مدي استحقاق أوباما لهذه الجائزة العالمية الكبري التي تقدم للذين أسهموا بالفعل اسهامات كبيرة لدعم السلام في العالم.
صحيح أن العالم العربي لا يحب كثيرا جائزة نوبل للسلام بسبب حصول عدد من الإسرائيليين عليها مثل رؤساء الحكومات السابقين “مناحم بيجن”، مناصفة مع الرئيس السادات بسبب ابرام اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية ثم منح الجائزة مرة أخري لشيمون بيريس واسحاق رابين وياسر عرفات بسبب ابرام اتفاق أوسلو للسلام وبداية الطريق لانهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن الواقع أن الصراع العربي الإسرائيلي لايزال مستمرا، ولم تفلح تلك الاتفاقيات في ايقاف شلالات الدم في الشرق الأوسط.
وربما كانت جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها عالمنا المصري د.محمد البرادعي مناصفة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الجائزة التي جاءت بعيدا عن مسارات التسوية السياسية، وانصبت نحو تقدير دور البرادعي والوكالة في وقف انتشار الاسلحة النووية وهو ملف ايضا ما يزال يشهد أزمات متتالية وآخرها اصرار إيران علي المضي في برنامج نووي غامض يتيح لها امكانية صنع قنابل ذرية إضافة إلي تحدي كوريا الشمالية لبرامج الوكالة الدولية والرفض الإسرائيلي المطلق لوضع منشآتها النووية تحت اشراف الوكالة والتوقيع علي اتفاقيات حظر انتشار الأسلحة النووية وعدم اجراء التجارب، حيث تحيط برنامجها النووي بالغموض والسرية كأحد أهم أسلحة التفوق الاستراتيجي التي تمتلكها.
جائزة أوباما
ومن هنا تبدو الجائزة التي حصل عليها أوباما مفاجأة كبيرة فهو لم يقم بأي انجاز كبير يحسب له حتي الآن ولم يقدم سوي الوعود باجراء تغييرات مهمة سواء علي الصعيد الداخلي أو الخارجي.
وربما كان الانجاز المهم لأوباما هو ترؤسه الشهر الماضي جلسة تاريخية لمجلس الأمن بحضور كل رؤساء الدول الاعضاء في المجلس عدا الرئيس معمر القذافي الذي لم يحضر اعتراضا علي ميثاق الأمم المتحدة وقد دعا إلي تغييره وإلي الغاء احتفاظ الدول الخمس الكبري بمكانة دائمة في مجلس الأمن. وفي هذه الجلسة دعا أوباما إلي تخلص العالم من الأسلحة النووية، واستبق ذلك بخطوة مهمة بإلغاء برنامج الدرع الصاروخي الذي كان مقررا اقامته في تشكيا، و”بولندا”، لمواجهة الصواريخ الإيرانية بعيدة المدي القادرة علي حمل رؤوس نووية.
والمفاجأة هنا ان عددا كبيرا من العلماء الأمريكيين رفضوا هذا البرنامج وشككوا في جدواه بينهم 13 عالما أمريكيا حاصلين علي نوبل في العلوم والرياضيات، واثبتوا في دراسات مهمة وضعت أمام البنتاجون “وزارة الدفاع” عدم جدوي هذا البرنامج الذي يتكلف قرابة 2 تريليون دولار وهو ما يرهق الاقتصاد الأمريكي في ظل امكانية نفاد عدد من الصواريخ من شبكة الدفاع الأمريكية.
واذا كان الأمريكيون قد شعروا بالسعادة لتوفير تلك “التريليونات”، بعد أن تم انفاق 200 مليار دولار علي الابحاث واعداد القواعد، فان الروس هم أكثر من شعر بالسعادة لخطوة أوباما تلك، حيث اعتبرت روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي السابق أن هذا الدرع موجه لأمنها القومي وكانت شروطها لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، هي الغاء نشر هذا الدرع الصاروخي الذي من شأنه إعادة سباق التسلح بين البلدين، وجاءت استجابة أوباما بمثابة خطوة ضرورية لانقاذ العلاقات الأمريكية، الروسية، بأكثر من إيمانه بقضايا نزع السلاح النووي.
حماية إسرائيل
والدليل علي ذلك هو استمرار الازدواجية في السياسة الأمريكية بخصوص قضايا التسلح النووي أو تجاهل “أوباما”، المطالب العربية خاصة ما جاء في خطاب وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية بضرورة اخضاع البرنامج الإسرائيلي النووي للتفتيش والرقابة الدولية، وضرورة انضمام إسرائيل للمعاهدات الدولية كأحد أهم أسس الاستقرار والسلام الدائمين في الشرق الأوسط.. ولكن الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما تجاهلا تماما أي اشارة للبرنامج الإسرائيلي، واهتما بالتركيز علي البرنامجين الإيراني والكوري علي وجه الخصوص، ولم يتم استبعاد خيارات عسكرية خصوصا في مواجهة البرنامج الإيراني في ظل تحديد موعد نهاية هذا العام للحوار مع إيران لحل المشكلة سياسيا.
جائزة تشجيعية
وفي خضم الجدل الدائر حول استحقاق أوباما للجائزة من عدم استحقاقه لها، فان الجائزة في الواقع تحولت هذه المرة إلي جائزة تشجيعية فالرئيس الأمريكي الأسود فتح بالفعل ابوابا للأمل في إيقاف الحرب بين الحضارات والثقافات عبر دعوته في جامعة القاهرة في 4 يونيو الماضي إلي الحوار لتفادي المعارك الكبري، وهو ابدي نوايا حسنة لتجاوز ما حدث في 11 سبتمبر 2001 والذي اصبح يشكل نقطة فاصلة في العلاقة بين الإسلام السياسي والغرب، ووعد اوباما بنظرة جديدة إلي المشاكل والصراعات التي تلهب هذا الصراع، مثل القضية الفلسطينية والاوضاع في العراق وافغانستان وهي دول إسلامية علاوة علي إيقاف استخدام مصطلحات مثل الإرهاب الإسلامي وإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام.
وفيما بدأ اوباما خطوات فعلية للانسحاب من العراق، فإن الاوضاع في افغانستان لاتبشر بقرب التوصل إلي سلام واستقرار في هذا البلد الذي تحول بالفعل إلي “فيتنام” جديدة ليس بالنسبة للولايات المتحدة وحدها وإنما لدول حلف “الناتو” حين تستمر الخسائر الضخمة هناك ولاتبدو اي دلائل علي هزيمة “طالبان” التي تحقق انتصارات بل وتهدد نظام الحكم والاستقرار الهش في “باكستان” الحليف الامريكي الاهم في وسط اسيا.
أفضل من حذاء بوش
ولعل التبرير الذي قدمه المتحدث باسم الخارجية الامريكية لحصول اوباما علي الجائزة في مواجهة انتقادات صارمة للغاية من جانب قيادات الحزب الجمهوري قد تكون ملائمة بالفعل للرد علي تلك الانتقادات حول حصول اوباما علي الجائزة حيث قال المتحدث ان حصول اوباما علي نوبل للسلام أفضل من التعرض للضرب بالاحذية في اشارة إلي ما تعرض له بوش في العراق من رشقه بالاحذية علي يد الصحفي العراقي “منتظر الزيدي” في نهاية العام الماضي. يبقي أن يثبت اوباما في الشهور القادمة وبسرعة هائلة استحقاق “هذه الجائزة” خاصة انه يحارب علي عدة جبهات في نفس الوقت، في الداخل لتمرير قانون جديد للتأمين الصحي ينقذ الامريكيين من بطش شركات التأمين الصحي وحشدها للاموال علي حساب صحة الامريكيين، مع وجود 42 مليون امريكي دون أي غطاء صحي، إلي جانب إثبات مقولاته حول حل عادل للصراع في الشرق الاوسط وحل القضية الفلسطينية، وهو التحدي الاكبر الذي سيثبت احقية اوباما لجائزة نوبل للسلام سيئة السمعة والتي لم يثبت الحاصلون عليها في الشرق الاوسط انهم يستحقونها رغم نوايا البعض الطيبة مثل ياسر عرفات والرئيس السادات، إلا أن حصول زعماء إسرائيل عليها اثبت أن هناك معايير سياسية وضغوطا وراء منح الجائزة، وأهم تلك القوي هي الحركة اليهودية والصهيونية العالمية، ولابد أن هناك حسابات أخري هذه المرة لمنح اوباما جائزة نوبل للسلام