انما المرء بأصغريه
بقلم: عمر الشريف
يروى أنه عندما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
وفدت عليه الوفود من كل بلد للتهنئة وعرض حاجاتهم
فجاءه وفد أهل الحجاز فتقدم منهم غلام هاشمي للكلام
وكان صغير السن وفي الوفد من هو أسن منه
فقال له عمر:
ليتكلم من هو أسنّ منك.
فقال الغلام:
أصلح الله أمير المؤمنين إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه
فإذا منح الله عبداً لساناً ناطقاً وقلباً حافظاً
فقد استحقّ الكلام، وعرف فضله من سمع خطابه
ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك هذا منك.
فقال عمر: صدقت.
وذهبت هذه القصة مثالاً واقعياً على أن الوعي والتفكير قد يمتلكه الشباب ويُحرم منه الكهول والشيوخ
فالحكمة ليست مرتبطة بعدد سنين الحياة التي نعيشها
فالعمر ليس مقياساً للنجاح أو للفشل وتاريخ الميلاد لا يعبر عن قدر الإنسان وأحقيته بالتصدر والكلام، والارتقاء
بالتفكير لا يأتي من كثرة التجارب والأحداث
والوعي لا ينمى عند الإنسان ويزداد من خبرة وهمية في مجال من المجالات.
فنعمة التفكير والتفكر نعمة ليس بعدها نعمة
ترفع من قدر الإنسان بين الناس ولو كان صغير السن
فهؤلاء قد حققوا قفزات حياتية رائعة
واختصروا مراحل من حياتهم جعلت الواقع يفرضهم كشخصيات محترمة بين الناس
بغض النظر عن اعمارهم في حين أنك قد تسمع وترى أشخاصاً قد بلغوا من العمر عتيا
ولكن فيهم من السفاهة والطيش
ما قد يترفع عنه صغار السن وخبرة السنين التي يدعونها ماهي إلا مجرد تكرار مضحك لأخطائهم الأولى
وليس لها في ميزان المنطق أي تأثير فخبرتهم في الواقع لا تنعكس تطويراً على الذات ودقة في الأداء وزيادة في تصحيح الأخطاء
فهي خبرة وهمية سرعان ما ينكشف زيفها عندما يطالب أصحابها بالإنجاز وحل المشكلات والأزمات واتخاذ القرارات الصائبة.
فكل ما يجري في حياتنا من أحداث إذا لم يلاقي من الإنسان قلباً عاقلاً وفكراً نيراً
فإن هذه الأحداث ستكون مجرد حدث مضى وانقضى بما فيه
ولن يترك أي أثر في النفس سوى ذكريات معرضة للنسيان في مهب الريح
وهذا ما يفسر تكرار الخطأ الذي يقع فيه الشخص مرة تلو مرة
فهو بلا شك لم يتعلم الدرس من المرة الأولى لأنه غير قابل للتعلم أصلاً.