بقلم : د . أحمد ُحزين شقير
إن قطاع المقاهى من أكثر القطاعات المتضررة من تفشى فيروس كورونا لتعرضها للغلق الكامل منذ منتصف مارس 2020 وحتى بعد ان تم الفتح تأثرت بشكل كبير بسبب منع تدخين الشيشة حتى هذه اللحظة.
إن مهنة القهوجي ف المقاهى مهنة تقليدية قديمة في مصر وفي العديد من الدول العربية والأجنبية وكانت بلاد اليمن هي أول الدول التي زرعت البن وهو حبوب القهوة وصدرها إلى مختلف أنحاء العالم وتنتشر القهاوى في جميع مدن ودول العالم ففى مصر توجد قهاوى مشهورة مثل قهوة الفيشاوى بميدان سيدنا الحسين وقهوة قشتمر وقهاوى عائلة القماح بــــ حى الظاهر بالقاهرة وقديما قهوة عرابى بميدان الجيش وغيرها الكثير من القهاوى الشهيرة المعروفة للعام والخاص.
من الناحية التاريخية فقد ظهرت القهوة في مصر قرب أواخر القرن السادس عشر ميلادي حينما دخلت من بلاد اليمن عن طريق البحر إلى السويس ثم إلى القاهرة مع طلبة الأزهر اليمنيين وقد لاحظ طلبة الأزهر المصريون أن زملائهم المغتربين من اليمن يتناولون مشروبا في أثناء الليل لزوم السهر للمذاكرة فتذوقوها فأعجبهم مذاقها وأخذوها أيضا عونا لهم في السهر على المذاكرة مثل زملائهم اليمنيين وبدأ الأمر ينتشر بينهم شيئا فشيئا حتى وصلت إلى البيوت والمقاهي وإنقسم حينها شيوخ الأزهر بين مؤيد ومعارض لهذا المشروب ولم يتقبلها المجتمع المصري إلا بعد جدال عنيف بين العلماء حيث شن أحد فقهاء المذهب الشافعي حملة عنيفة ضدها بعد أن طرح عليه أحد السائلين سؤالا بشأن جواز شربها وفي شهر شعبان عام 979 هجرية الموافق شهر ينايرعام 1572م
أفتى الشيخ علي أحمد السنباطي أحد علماء الأزهر بتحريم شرب القهوة بإعتبارها مادة مسكرة مخدرة للعقل وتم تداول هذه الفتوى علي المنابر في خطب الجمعة الأمر الذي لاقى ردود فعل سلبية كثيرة وأدى إلي تداعيات خطيرة تمثلت في مهاجمة رئيس الشرطة لمستهلكي القهوة وحبس بعضهم كما هاجم الأهالي بعض المقاهي وحطموها وإعتدوا على روادها وأغلقوا أماكن تقديمها وكسروا أوانيها ومنع إستعمالها أو الجهر بشربها وحاول تجار البن ومنتجي القهوة إثناء الشيخ عن فتواه بينما إستمر مؤيدوه في إيذاء كل من يشربها حتى قتل أحد تجار البن على أيديهم وهرب الشيخ إلى أحد المساجد مع مؤيديه الأمر الذي دفع التجار لمحاصرة الشيخ وأعوانه في المسجد وأقاموا صوانا للإعتصام شربوا فيه القهوة دون سكر على روح القتيل نكاية في الشيخ وفتواه ومن هنا جاءت عادة تقديم القهوة السادة في العزاء وإستمر الحصار ثلاثة أيام مع إستمرار حالة الفوضي والشغب حتي وصل أمر الإضطرابات إلي السلطان العثماني مراد الثالث والذي قام بتعيين مفتى جديد هو القاضي الحنفي محيي الدين بن إلياس والذي إستصدر فتوى جديدة بجواز تناول مشروب القهوة وعدم حرمة شربها .
وقد إعتبر التجار ومؤيدي شرعية شرب القهوة في المقاهى أن هذا التغيير يعد إنتصارا لهم ولأرواح شهداء القهوة وسمي مشروب البن بالقهوة التركي ولكن إستمر الوضع متضاربا في مصر لأنه قد أصبح لدى الأهالي حكمان متضاربان أحدهما يحرم شرب القهوة والآخر يبيحها حتى فرضت القهوة نفسها كمشروب يساعد على النشاط والسهر بعد أن تشكلت لجنة من المتخصصين لبيان فوائدها وأصبح البن يأتي علانية من اليمن إلى مصر وأطلقوا على محلات بيعها خان البن وبذلك بدأت تنتقل عادة شرب القهوة إلي كافة فئات السكان سواء العامة أو التجار أو كبار الأعيان في القاهرة ومنها الي أقاليم مصر ومن هنا فقد مثلت القهاوى في مصر تاريخ ما أغفله التاريخ أو قل هى تاريخ مصر غير المكتوب فمما سبق يتضح لنا أن القهوة واجهت كمكان وكمشروب عنت السلطة وعنفها على مر العصور وقد إقترن شرب القهوة بالتدخين منذ أيام على باشا الخادم الوالى العثمانى على مصر فى القرن العاشر الهجرى الموافق القرن السادس عشر الميلادى ولم يكن التدخين معروفا قبل ذلك التاريخ وقد عرف شبك الدخان أولا ووصفه كلوت بك رائد مدرسة الطب المصرية فى عهد محمد على باشا فى كتابه لمحة عامة عن مصر بأنه يتألف من أجزاء وهى الفم والأنبوبة والجوزة ثم ظهرت الشيشة بعد ذلك وهي تعنى الزجاج فى اللغة الفارسية والفرق بين الجوزة والشيشة إقتصادى طبقى فالأولى تصنع من خشب جوزة الهند المجوفة وهى خاصة بالعامة أما الشيشة فتخص الطبقة الميسورة وهى تتميز بألأن لها أشكال وأحجام وأنواع عديدة .
وقد منع الدخان أول الأمر فى بر مصر وتم تهديد شاربه بتطبيق عقوبة الإعدام عليه ثم خفف هذا الحكم وتم الإكتفاء بعقوبة خوزقة شاربى القهوة والدخان وقد عرفت أماكن شرب القهوة ب المقاهى وإن كان علماء اللغة العربية يسمونها مقهى وليست قهوة كما إشتق منها الإسم فى اللغات اللاتينية أيضا وإستخدمت كلمة كافيه لتدل على القهوة والمكان الذى تقدم فيه كمشروب
وإذا ساقتك قدماك للجلوس علي أحد المقاهي وخاصة في حى الظاهر بالقاهرة أو حى بولاق أبو العلا أو اى حى من الأحياء الشعبية فسوف يتناهي إلي سمعك بعض الكلمات والمصطلحات مثل ومعاك فريسكا وواحدة حزايني ومعسلة كما ستسمع النداء الشهير والذى خلدته السينما والدراما المصرية أيوه جااااي وعندك إتنين مظبوط وواحد خمسينة وصلحه وهكذا تتطاير الشفرات من الجرار إلي البوفيجي والجرار هو اللقب الذى يطلق علي الشخص الذي يرحب بك ويسألك عن صحتك وطلبك عند قدومك إلي القهوة وسحب الطلبات من النصبة وتقديمها إلى الزبائن ويطلق عليه أيضا لقب الماركجي لأنه يحمل القطع البلاستيكية ذات الألوان المختلفة والتي تعادل قيمة المشروب الذي يتسلمه من النصبة حتى يتمكن من حساب الإيراد في نهاية الوردية إذ تعمل الكثير من المقاهي اليوم بأكمله مقسمة إلى ورديتين وفي كثير من المقاهي الكبيرة يكون الجرار هو الشخص الذي يجمع الأكواب الفارغة ويسلمها إلى النصبة مرة أخرى ثم يقوم بمحاسبة الزبائن علي المشاريب في نهاية الجلسة وتلك المهمة قد يقوم بها في الكثير من الأحيان صاحب المقهى نفسه أو نجله أو أى شخص يكون ذو حظوة ومصدر ثقة لديه أما البوفيجي فهوعامل البوفيه الذى يعد الطلبات للزبائن .
ويعد الشاي الأحمر أو الشاي الكشري وهو المصطلح الجامع لغالبية أنواع وحالات الشاي ويشبه طريقة تقديم الكشري وهي خلط الشاي بالسكر مضافا إليهما الماء هو المشروب الرسمي والأكثر تداولا للمصريين.
أما مشروب القهوة فلا يحفل عالمها بالعديد من المصطحات في المقاهي كالشاي ولكن للقهوة ما يميزها أيضا وتختلف تسميتها حسب مقدار السكر فهناك القهوة الإسكتو وهي القهوة السادة وهي تصنع من البن الذي لا يضاف إليه السكر ومن الضروري أن تنطق سادة إسكتو منعا للخلط أو الخطأ بينها وبين القهوة الزيادة الكعب العالى وأحياناً يتندر القهوجي قائلا وعندك واحدة حزايني نظرا لإرتباط القهوة السادة بالمآتم والعزاء وثاني أنواع القهوة هي القهوة عالريحة وهي الدرجة الأولى من إضافة السكر إلى البن وتكون كمية السكر قليلة للغاية أو كما يقال طرف الملعقة .
أختم مقالى بأن اضع لكم صور نادرة لل المقاهى بمصر ترجع الى اوائل القرن العشرين
تنشر لأول مرة