المصطلحات النقدية ودورها في النص الأدبي
تعقيب.الشاعر. / عباس محمود عامر على الناقد الأكاديمي الجليل ٱ د/ احمد فرحات بعنوان “النقد القاتل “المصطلحات النقدية ودورها في النص الأدبي
===================
بقلم/ الشاعر. عباس محمود عامر
“مصر”
المصطلح في المفهوم العام هو الإطار الذي يحدده الناقد في دراسة الظواهر الشعورية والفنية واللغوية والزمانية والمكانية للنص الأدبي لتحليل المعنى وإبراز الغرض الغائب الذي يطرحه النص في نقده البنَّاء .
والمصطلحات النقدية والأدبية ظهرت بكثرة كأدوات يستخدمها الناقد والباحث لعرض رؤيته من المنظور النقدي للنص الأدبي وتتبع مساره الإبداعي .. لأن من خلال هذه المصطلحات يسهل على الناقد والباحث تحليل وتقييم النص الأدبي ليصل إلى عمق المعني الذي يحمل رسالة الشاعر أو الكاتب .
يقول الناقد الأدبي الأردني عباس المناصرة رحمه الله”المصطلح هو وعاء لغوي ضخم ومستودع جامع يحتوي في داخله (المناهج والدلالات والحقائق والمكونات..) التي تعكس المخزون الفكري والثقافي لذاكرة الأمة”.
“مصطلح الأدب” هو أول مصطلح ظهر في العصر العباسي .. فقد جمعت كل الكتابات الشعرية والنثرية في هذا العصر التي انطلقت من روح البيان وجوهر الفصاحة .. لتصب جميعها في وعاء واحد “مصطلح الأدب ” .
كما ظهر مصطلح النقد الأدبي في العصر العباسي أيضا .. وظهرت من خلاله وظيفة الأدب في تهذيب النفس وإرساء القيم التي تحكم العلاقات الإنسانية في هذا المجتمع وبناء ونشر الوعي المعرفي والإستفادة من التاريخ والتعايش مع الحاضر بأسس سليمة وتصحيح الأغلاط .. والتطلع للمستقبل بالحلم والأمل والتفاؤل.. وعلى النقد هو المحافظة على وظيفة الأدب .
في العصر العباسي أيضا ظهر مصطلح “النقد الأكاديمي ” لتصنيف وتمييز الشعراء واختيار أفضلهم فظهر أبو الطيب المتنبي وأبو العلاء المعري وأبو نواس وأبو العتاهية والبحتري وهم من أبرز شعراء العصر العباسي.
مع مر العصور ظهرت مصطلحات نقدية أدبية حديثة منها الأسلوبية والبنياوية والموضوعية واﻟﺘﻔﻜﻴﻜﻴـــﺔ واﻟﺴـــﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ واﻟﺸﻌﺮﻳﺔ واﻟﺘﻨﺎﺻـــﻴﺔ واﻟﺘﺄوﻳﻠﻴﺔ والإﻧﻄﺒﺎﻋﻴﺔ والموثِّبات ..
كل هذه المصطلحات اكتشفتها البحوث الأكاديمية عند دراسة المناهج الأدبية المختلفة .. لتبرز لنا القيمة الفنية البارزة للنقد ووظيفته في إحياء الوظيفة الحقيقية للنص الأدبي .
*********
“النقد القاتل”
بقلم /أ.د.أحمد فرحات
إن حظ الناقدين من دهرهم قليل!
“فهم لا يرضون فريقا من الناس إلا بإغضاب فريق آخر. غير أن الناقد الحق لا يحفل بمن يُرضى وبمن يُغضب”.
ومع ذلك فقد وجد في الأوساط المصرية الثقافية ذات السيادة العربية(في ذلك الوقت) ما أُطلق عليه النقد القاتل.
يقول أنيس منصور في كتاب«الكبار أيضا يضحكون» عن أستاذ جامعي كان من مناقشي الدكتور عبد الرحمن بدوي في رسالته للدكتوراه، هو باول كراوس، وهو مستشرق ألماني من أصل تشيكوسلوفاكي، كان أستاذا للغات السامية في جامعة فؤاد الأول (بمصر) سنة 1936 أقام بالقاهرة إلى أن مات منتحرا فيها. في هذه المناقشة رفع طه حسين عبد الرحمن بدوي إلى السماء، عندما قال إنه أول فيلسوف مصري.
أما باول كراوس، فرفعه طه حسين إلى ارتفاع مترين عن الأرض، مترين فقط، فعلى أثر مناقشة حادة وخاصة بين باول كراوس وطه حسين عاد باول إلى بيته بالزمالك وشنق نفسه بحزام ولم يكتب سطراً واحداً عن الذي حدث.
قارن د. طه حسين بين علي محمود طه وبين ناجي، واصفاً الأول بأنه «مهيأ لأن يكون جباراً» أما ناجي فهو«شاعر هين، لين، رقيق، حلو الصوت، عذب النفس، خفيف الروح، قوي الجناح، ولكن إلى حد، لا يستطيع أنْ يتجاوز الرياض المألوفة، ولا أنْ يرتفع في الجو ارتفاعًا بعيد المدى، وإنما قصاراه أنْ يتنقل في هذه الرياض التي تنبت في المدينة أو من حولها، والتي لا تكاد تبعد عنها كثيرًا، وهو إذا ألمَّ بحديقةٍ من الحدائق أو جنةٍ من الجنات لا يحب أنْ يقع على أشجارها الضخمة الشامخة في السماء، وإنما يحب أنْ يقع على أشجارها المعتدلة الهينة، ويتخير من هذه الأشجار أغصانها الرطبة اللدنة التي تثير في النفس حنانًا إليها، لا إكبارًا لها ولا إشفاقًا منها، هو شاعر حب رقيق، ولكنه ليس مسرفًا في العمق، ولا مسرفًا في السعة، ولا مسرفًا في الحب الذي يحرق القلوب تحريقًا ويمزق النفوس تمزيقًا، شعره أشبه بما يسميه الفرنجة موسيقى الغرفة منه بهذه الموسيقى الكبرى التي تذهب بك كل مذهب، وتهيم بك فيما تعرف وما لا تعرف من الأجواء.
رد ناجي على العميد:
“أنت تراني شاعراً هيّناً ليّناً وليس جباراً، فأنت من أنصار الأدب العنيف الأدب النيتشوي»
وكان القرار المؤقت:
«وداعاً أيها الشعر، وداعاً أيها الفن، وداعاً أيها الفكر، وداعاً ودمعة مرّة وابتسامة أمر”. أما د. طه فقال له:”
نحن نكذب شاعرنا الطبيب إن زعمنا له أنه نابغة، بل نحن نكذب زعمنا له أنه عظيم الحظ من الامتياز، إنما هو شاعر تألفه النفس، يصبو إليه القلب، يأنس إليه قارئه أحياناً، ويطرب له سامعه، فإذا نظرنا إليه نظرة الناقد المُحلل الذي يريد أن يقسم الشعر أنصافاً أو أثلاثاً أو أرباعاً، لم يثبت لنا، أو يصبر على نقد، إنما يدركه الإعياء قبل أن يدركنا، ويفر عنه الجمال الفني قبل أن يفر عنا الصبر على الدرس والنقد والتحليل. ”
ويواصل د. طه نقده القاتل عندم أرسل الرافعي إليه فصلا من كتاب له فرد عليه العميد ردا عنيفا شديدا:
أحب أن يعلم الرافعي أني لا أطيق بالسفهاء ذرعا، وقد أرى في سفههم سبيلا إلى اللهو والتسلية، وأحب أن يعلم الرافعي أني بعيد كل البعد عن أن يغضبني فصله هذا أو يؤذيني وإني إن أشفق علي أحد من هذا الفصل فإنما أشفق على كاتبه؛ لأنه كتبه وهو محموم أو كالمحموم وأشفق على قارئه لأنه سيقرأ نُكرا من القول هو إلى هذيان الحمى أقرب منه إلى كلام العقلاء ولقد نقدتُ الناس من قبل الرافعي فلم أصانعهم ولم أرفق بهم، وفيهم ضيّق الصدر، وفيهم من لا يحتمل النقد، ولا يسعه. فلم أجد منهم هذا الألم ولا هذا السخط. ولا هذا الشيء الذي يذهب على الرجل بعقله وصوابه ويحك!
وماعليك أن يقول الناس في كتابك إنه جيد أو رديء إذا كنت مقتنعا بأن كتابك جيد. ويحك!
وحسبك من نقد يعتمد على مفردات (السفه – المحموم – القول المنكر – الحمى- الهذيان – لا يحتمل النقد- السخط – ويحك ..) فإنه نقد مميت قاتل