المشافهة الثقافية
بقلم: أسامة حراكي
حين نبحث في أسباب الميل إلى العنف واعتناقه وسيلة للمواجهة عوضاً عن الحوار والاعتدال والتسامح، يخطر في بالنا فوراً التربية البيتية والمدرسية، وفي النشأة التي يتدرج الإنسان خلالها من الطفولة إلى المراهقة فالرجولة أو النضج للأنثى، هنا نلاحظ أن غياب الثقافة عن التربية يلعب دوراً حاسماً في تخرج أفواج جاهزة لتلتقف الأفكار الرجعية والمتخلفة، من غير تمعن أو تفكير، فضلاً عن نسبة الأمية في كثير من الدول العربية، لذلك نشدد على ضرورة الثقافة وجعلها من أولى الاهتمامات، للإسهام في تفادي أجيال متلاحقة من الإرهابيين والتكفيريين، الذين يشكلون الخطر الأكبر على مجتمعاتهم قبل غيرها.
ما يجعلنا نعرف ما في نفوس الآخرين، هو حوارهم معنا لنعرف ما يريدون منا أو لنا، اقتداءً بمقولة الفلاسفة “تكلم حتى أراك” فاللحوار أهمية في حياتنا من زيادة الكم المعرفي لدينا، من خلال تناقل المعلومات أو ثقافة المشافهة، وهذا ما توصل إليه قبلنا اللغويون القدماء وعلماء فقه اللغة، ومنهم ابن جني والسيوطي، حيث قال ابن جني: “اللغة عبارة عن وسيلة يعبر فيها كل قوم عن احتياجاتهم والإشارة هنا إلى الاحتياجات، فهي تحتمل الكثير ولكنها لا تشمل بعنايتها معرفة الآخرين”
وحين نشير للثقافة لا نقصد التعميم، إذ يمكن اعتبار كل علم أو معرفة ثقافة، ومع ذلك يظل الفارق شاسعاً بين التعليم والتثقيف، لكننا نقصد هنا الآداب والفنون، لأن نظرة ممعنة إلى مختلف المجتمعات، تكشف لنا أمراً في غاية الأهمية، هي أن المجتمعات التي ينشأ فيها الأطفال على حب الآداب والفنون، تولد أجيالاً أقل ميلاً إلى العنف وأكثر تقبلاً للآخر، فضلاً عن دورها المعروف والمهم في تهذيب النفس البشرية والارتقاء بها، ولعل هذا التهذيب هو ما يجعلها أكثر مرونة وتسامحاً، إضافة إلى كون سعة الثقافة تمثل الحصن المنيع للفرد في مواجهة المغريات التي تعترضه، ومنها تزيين الإرهاب له بوصفه الطريق إلى الجنة.