المدرسة والنشىء
بقلم: أسامة حراكي
إذا تمعنا في النظام التعليمي نتساءل على أي أساس يُقرر من هو الناجح من غيره، سنجد أن شخصاً ما وضع نظاماً ما في السابق واتبعه العالم، يكون فيه الأطفال في سن صغيرة مؤهلين لبداية الدراسة ومقرر عليهم مواد ليست لها علاقة بالحياة المهنية أو العامة، وبذلك يكونو بمفهوم المعطيات أشخاصاً أذكياء، ولكن تأتي المفاجأة عندما يواجهون الحياة، فنجدهم إن كانوا أذكياء في ما أقر عليهم و ليس في ما اختاروه أم لا.
في عمر الثالثة أو الرابعة يترك الطفل لعبه وراءه ويمسك بيد والديه، يتوجه معهما إلى مبنى لا يعني له أكثر من تجربة جديدة في حياته التصاعدية، الطفل لا يدرك أنه في هذه التجربة يقرر مصيره وفرصة دخوله المدرسة التي اختارها أبواه له، كل ما يعرفه أنه عليه أن يخضع لامتحان قبول، كما لا يهمه ما تعنيه كلمة امتحان أو قبول أو حتى مدرسة، في المقابل يسجل الأهل قلقاً ملحوظاً واهتماماً شديداً بالمدرسة المختارة، وبامتحان القبول فيها، ومن نجاح ولدهم في العبور منه إلى الحياة الأكاديمية، ماذا لو تتم الموافقة عليه ولم يقبل؟ ماذا لو قالوا لو أنه غير مستعد بعد وربما يقبلونه في العام التالي؟ عدد الأسئلة التي يسألها الأهل لأنفسهم لا تعد ولا تحصى.
إننا حين نصحب أطفالنا لشراء ملابس ولا نجد المقاس لأحدهم، لا نطلب منه تغيير جسمه، بل سنواصل البحث عن ملابس مريحة تناسب جسمه، وفي التعليم هناك أنظمة مختلفة، وإذا لم يتقبل الطفل هذا النظام، علينا أن لا نجعله مخطئاً، بل أن نتأكد أن هناك خللاً في النظام نفسه.
يعاني الكثير من التلاميذ بسبب ضيق الأفق في المدارس التقليدية التي أُجبروا على ارتيادها، فصول مقفلة ترص فيها المقاعد ويجبر فيها الأطفال على الجلوس كالتماثيل الخشبية بلا حراك، تنهال على رؤوسهم الأوامر والنواهي، روتين يجري على نسق واحد دخول جلوس وقوف خروج، والصمت المطبق أحياناً والتسميع كالببغاوات أحياناً، فبعض المعلمين تقدير المعلم في نظرهم أن يردد الطلاب المفاهيم والشعارات والتصفيق لمعتقدات قديمة قد لا تناسب هذا الجيل، فيستولي الذعر عليهم وتخور أعينهم وتتقلص شفاهم وليس هناك من منقذ، إنه نظام تعليمي بغيض بدل من أن تكون المدرسة مكان محبب يرغب في الطفل وشعارها المحبة لتربية الأجيال.
ويعد التعليم الحر محفزاً من أهم محفزات الإبداع والإبتكار، فالطفل منذ نشأته يستطيع أن يتعلم بعد أن يفكر ويفهم ما عليه أن يتعلمه، فالتعليم القائم على الحفظ ليس مجدياً، لذلك التشجيع ضرورياً للطلاب ليفكروا بطريقة حرة خارجة عن النطاق المعهود، ويطورون معلوماتهم حتى يصلوا إلى مرحلة الإبداع والإبتكار، فانطلاقاً من مفهوم أن البيئة مهمة جداً في تنمية الإبتكار وتساعد على حرية التفكير وإنتاج ابتكارات مهمة جداً تخدم أفرادها والبشرية بشكل عام، فعلى الدولة دعم الإبداع بصوره وأشكاله كافة، على جميع الصعد محلياً وإقليمياً وعالمياً، وسياسات الدول تلعب دوراً بارزاً في تحفيز الإبداع، من خلال تهيئة الفرص والوسائل المناسبة وتنمية القدرات والتاهيل بشتى الطرق وتحفيز رغبة الإبتكار في الطلاب، وتوفير المنح الدراسية وتسهيل الزيارات إلى مراكز الإبتكارات العالمية، وضرورة وجود جو عملي وعلمي بين المسؤلين عن المبدعين، والمحفز المادي بتخصيص الجوائز للمبتكرين، وتعزيز فكرة الإبتكار في الجيل الناشىء الذي يكون تربة خصبة للإبداع، من أجل توفير مناخ ملائم لهم يساعدهم على إطلاق العنان لإبداعاتهم، فحينما تكون الدولة حاضنة للإبداع والمبدعين، تنبعث الطمأنينة في نفوس المتميزين ويحفز كثيرين على الإبداع مادام هناك من يرعاهم ويوفر لهم الوسائل التي يحتاجون إليها، فنرجو من الدولة أن تهتم أكثر في المراحل التعليمية للنشىء، ونتمنى أن تتجه نصف ميزانينها للتعليم، لكي نبني الطفل صحياً وبدنياً ووجدانياً وعلمياً، ونعد نشىء سيقود الأمة في المستقبل.
وعن المدرسة قالوا:
ـ قال الأديب الراحل جلال أمين: “في أحد الأيام جمعت أبنائي الثلاثة الذين يدرسون في مراحل تعليمية مختلفة، وسألتهم عن سبب ذهابهم إلى المدرسة، وكان جواب الصغير لأتعلم الحساب واللغة العربية، وكان جواب الأوسط لأدخل الثانوية في ما بعد، وكان جواب الكبير لأحصل على وظيفة بعد إنهاء الدراسة، فأظهرت لهم عدم الرضا وقلت أن عيب هذه الإجابات أنها تركز على أغراض التعليم في ثلاثة أشياء: حشو الذهن بالمعلومات ونيل الشهادة والحصول على وظيفة، ولما اقترح الإبن الأكبر تبادل الأدوار، ووجه إليَ السؤال نفسه كان جوابي: إن المدرسة التي تعلمكم أن تذهبوا إليها لتنجحوا في الإمتحان فقط، أو تأخذوا شهادة فقط، أو للتوظف فقط، يجب أن يتم إغلاقها لأنها تبعث أفكاراً ميتة وتوحي بآراء جامدة، إن على المدرسة أن تعلم الناس كيف يحبون، وكيف عاش من سبقوهم، وكيف ينبغي أن يعيشوا في المستقبل، وعليها أن تغرس في نفوس التلاميذ من أول روضة الأطفال هذه المبادىء بمختلف الوسائل، حتى إذا سُئل أحد منهم لماذا تذهب إلى المدرسة يكون الرد: لأتعلم كيف أصبح إنساناً”.
ـ الدهر مدرسة أساتذتها الأيام والليالي “عبد الحميد كشك”
ـ الخبرة مدرسة جيدة لكن مصروفاتها باهظة “هاينرش هاينه”
ـ المدرسة ليست تحضيراً للحياة، بل هي الحياة ذاتها “جون ديوي”
ـ الثقافة هي ما تبقى بعد أن تنسى كل ماتعلمته في المدرسة “آينشتاين”
ـ الطفل الذي اقتصر تعليمه على المدرسة هو طفل لم يتعلم “جورج سانتايانا”
ـ التكنولوجيا لا تزيد على كونها أداة، أما تحفيز الأطفال وجعلهم يعملون معاً فأهم عنصر هو المدرس “بيل جيتس”.