المبالغة في التواضع
بقلم: عمر الشريف.…
التواضع خلق إنساني نبيل، لا يتمثل به إلا من كان عالي النفس كريماً ذو عقل راجح، فالتواضع يجعل المرء متزناً واثقاً يتعامل مع الآخرين بشكل مهذب وأخلاقي، ليس فيه أي عجرفة أو تعالٍ أو تحقير لذاتهم ومشاعرهم، مما يجعل العلاقة معهم هادئة مترابطة بعيدة عن أي تباغض.
ولا شك أن التواضع كان السمة الأبرز في شخصية الأنبياء عليهم السلام والعظماء الحقيقيين على مر العصور، لأن الخُلق يُعتبر الأساس في تعزيز روابط المحبة والدخول إلى قلوب البشر وإصلاحهم ومحاولة تغيير حياتهم نحو الأفضل، في حين أن الفظاظة في القول وغلاظة القلب في التعامل مع الناس ستدفعهم بلا شك للنفور والابتعاد وعدم تقبل هذا الشخص بأي شكل من الأشكال، وتجنب التعامل معه تحت أي ظرف من الظروف إلا في حدود الضرورة عندما يكون الأمر ملحاً لا أكثر.
والنصيحة الراسخة هي بأن نركز على تعاملنا مع الناس على جوهرهم وليس على مظهرهم الخارجي، فقيمة الإنسان في جوهره وليس في مظهرٍ يمكن أن يؤثر به على الآخرين ويخدعهم به، فمن أراد أن يفهم الناس حقاً عليه أن يركز على بواطنهم وما يدور في عقولهم، وأن يحاول معرفة أعماقهم وحقيقة أخلاقهم وطريقة تفكيرهم، وأن يجنب نفسه الاعتماد على أشكالهم ومظاهرهم البراقة التي لا تعكس بالضرورة حقيقتهم ومكانهم الصحيح في الحياة.
وعلى الرغم من بداهة هذه الحقيقة فإن أغلب الناس للأسف تركز على المظهر بدل الجوهر، وتُقيم الآخرين من خلال أشكالهم وملابسهم وطريقتهم في الكلام ووضعهم المادي، فالمظهر له سحره الخاص الذي يؤثر بأشكال مختلفة على نظرة الناس وأحكامهم على الآخرين.
فمعظم الناس ليس لديهم الوقت الكافي للتأمل في حقيقة مع من يتعاملون ولا يهتمون بجوهر الشخص الذي يقابلون، بل يكتفون بالشكل والمظهر للحكم على قبوله أو رفضه، كما يعتمدون على تكوين فكرتهم الخاصة بنا من خلال ما نتكلم به عن أنفسنا وما نكرره من جمل تتحدث عن صفاتنا ومواهبنا وقدراتنا في حديثنا معهم.
والفكرة هنا هي أن المظهر الخارجي له من التأثير الكبير على نظرة الناس لنا، ويجب أن نعلم جيداً أن نظرة الناس لنا قادمة في الأساس من كلامنا نحن عن أنفسنا، فالنصيحة القائلة بأن لا تتكلّم عن نفسك كثيراً وأن تقلل من شأن نجاحاتك وإنجازاتك وأن تكون ملابسك بسيطة، لكي تكون شخصاً متواضعاً لا يسعى للتفاخر والمباهاة، قد تكون في غير محلّها إذا بالغت في التواضع إلى درجة كبيرة، فلا تبالغ في التواضع كثيراً لأنه سيجر عليك نتائج وخيمة وسيعطي عنك انطباعاً سيئاً مغلوطاً في أذهان الناس، فالمبالغة في كل شيء ضارة، فإذا زادت الثقة ستكون غروراً وتكبراً، وإذا زاد التواضع سيكون ضعفاً ومهانة.