الكولونيالية في اختلاف الرأي والابستمولوجية في التعصب الأعمى
بقلم: أسامة حراكي…..
بعد الثورات العربية التي غيرت أشياء من المشهد العام، وعجزت عن تغيير أشياء أخرى، من اسقاط أنظمة قمعية وتغيير قناعات، استعادت الجماهير ثقتها في نفسها، وأصبح للشارع صوت بعد ما كان من غير صوت، لكن مع ذلك نرى الصراعات القديمة الثقافية والإجتماعية والعرقية والسياسية متجددة، وما تزال تواصل تجددها وانتشارها في جسد الوطن.
فمن المعروف لدى دارسي علوم الاجتماع والسياسة أن الصراع هو محرك التاريخ، فلا يوجد مجتمع إنساني إلا وكان الصراع فيه آلية ثابته من آليات التغيير، سواء في إطار المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات المختلفة، أو أي جماعة في داخل ذلك المجتمع، فمستوى الصراع وأدواته هو الذي يختلف، فهناك صراع قوي وصراع ضعيف، تختلف أدوات القوي والضعيف حسب الظرف الموضوعي القائم.
فلسفياً، لا يخرج جوهر أي صراع عن جدلية الحراك بين الأقطاب، وإن أمكننا أن ننعت الصراع كيفما كان شكله ونوعه، بمصطلح أو تصور موضوعي بديل، فإن الصفة الحتمية ستكون هي القرين المباشر الذي لا مناص منه، والمشهد العربي الراهن يطرح علامات استفهام مثيرة للجدل؟
هل هو سبب الصراعات السياسية والحروب البينية والعنف الدائر والكولونيالية ” تعني السيطرة والتأثير الذي تفرضه الدولة المستعمرة على الكيان التابع لها، والنظام أو السياسة التي تنهجها للحفاظ على السيطرة، وتأتي مرادفا للإمبريالية”
أم هو تجسيد حقيقي للأزمات الفكرية والشقاقات الثقافية والابستمولوجية “تعني الإبستمولوجيا اشتقاقيا دراسة العلم وهي ابتكار جديد كفرع من فروع الدراسات الفلسفية”
فالحرب هي ممارسة للسياسة بأدوات وأسلحة مختلفة، لكنها لا تؤدي إلى وقف حد لأي صراع مهما بلغت من الوحشية والقسوة، بل تحمل في جعبتها بذور حروب وصراعات لاحقة.
وظاهرة الاختلاف في حد ذاتها هي ظاهرة إنسانية، تعرفها كل المجتمعات، وتباين الآراء وتعدد الاتجاهات أمر صحي يدل على يقظة فكرية، تليها مرحلة اختيارات الشعب في إطار الديمقراطيات العقلانية والتقدمية، لكن البعض سقط في فخ التعصب الأعمى، الذي أوصلنا إلى التعصب لحزب أو دين أو مذهب، وتراجع الانحياز إلى الوطن، ففي معظم البلاد العربية الصرعات والحروب أسقطت القيم المتفق عليها من الجميع أمام قناعة التحزب، فهل تراجعت الأوطان عن مكانتها التي عهدناها، أم أن النفوس تراجعت عن ولائها، وتبدلت الانتماءات؟
لذلك لا بد من التنبيه ودعوة الجميع إلى الإسهام في رفع منسوب الوعي، علنا نصل يوماً إلى ما نرجو ونطمح من تقدم وتمدن لن يكونا بغير عدالة ومساواة بين جميع مكونات المجتمع، ومن لا يستطيع الإسهام في رفع مستوى وعي سواه ليبدأ بنفسه، لأننا إذا أنرنا أنفسنا نكون قد أسهمنا في إنارة جزء من العالم، فالبعض يعتبر حرية الرأي تعني حرية رأيه وحده، بينما الصواب أنها حرية الرأي الآخر أيضاً، وهذا الواقع الذي تقدمه لنا الميديا الحديثة إن دل على شيء فإنما يدل على غياب الوعي والمسؤلية لدى شرائح واسعة، بما فيهم بعض من يصنفون أنفسهم ضمن خانة المثقفين، وكذلك على عدم التعود على فكرة أن للآخر رأيه الذي ينبغي قبوله واحترامه حتى لو اختلفنا معه، ونحن لا ندين الاختلاف فهذا حق مقدس، لكننا نرفض الطريقة المبتذلة في التعبير عن الاختلاف، فيمكننا خوض أي قضية ونقاش كل مسألة، لكن الأسلوب هو المهم.
أخيراً:
النقاش الحقيقي ليس بالضرورة أن ينتهي باقتناع المتناقشين بوجهة نظر واحدة، يمكننا أن نتناقش من دون الاتفاق كلياً على وجهة نظر أحادية، ومن دون أن يقنع واحد الاخر، لكن النقاش في حد ذاته ظاهرة صحية وضرورية، ومجرد حصوله معناه أننا نمارس الحرية والديمقراطية وسواها من سلوكيات لا تتأتى فقط من الشعارات والتنظير، بل الممارسة اليومية والسلوك العملي وطريقة تعاملنا مع أنفسنا ومع الآخرين، لذلك علينا عدم التمسك بآرائنا بطريقة جامدة ومتحجرة واعتبارها مقدساً لا يمس ولا يتغير، وكذلك الآخرين ليس بالضرورة أن تكون آراءهم خاطئة لمجرد أننا لا نتبناها أو لا نؤمن بها.