الكتابة والذكاء الاصطناعي
بقلم: أسامة حراكي….
أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة يميل إلى الغش عن براعة التقنية، والكثير يتسائلون هل سيتم تصنيف الكتاب بين نوعين الأول حقيقي وواقعي، والثاني افتراضي أنتجه الذكاء الاصطناعي؟ وما موقف الجانب الأخلاقي في إنتاج نصوص وبيانات تسطو على معلومات وأفكار وأساليب سبق لآخرين أن اجتهدوا في تقديمها؟
باستخدام الذكاء الاصطناعي تجاوزت الآلة قدراتنا المعرفية في معظم الميادين، مما يجعل البعض يخشى مخاطرها من الناحية الأخلاقية
وتتمثل هذه المخاطر في ثلاثة أنواع:
– ندرة فرص العمل باعتبار أن الآلة ستعوض عن الإنسان لتأدية العديد من المهام.
– الانعكاسات على استقلالية الفرد وبخاصة على حريته وأمنه.
– تجاوز القدرة البشرية التي قد تزول لتحل محلها آلات تفوقها ذكاء.
ولكن فكرة وجود آلات تفوق البشر ذكاءً، يعتبرها البعض “أسطورة مستوحاة من الخيال العلمي” فالذكاء الإصطناعي نظام علمي بدأ رسمياً في عام 1956 بكلية “دارتموث” في هانوفر بالولايات الأمريكية، من قبل أربعة باحثين هم: “جون مكارثي، مارفن مينسكي، ناثانييل روتشستر، كلود شانون” وأخذ في الانتشار مع مرور الوقت، وهو يرتكز في بعض الأحيان على سوء فهم عبر مقاربة كيان اصطناعي ذكي قادر على منافسة الكائنات البشرية، فلا أي من الاختبارات والتجارب العملية أثبتت صدقية تلك المقاربة ناهيكم عن واقعيتها.
إن التأثيرات المهنية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة الإبداعية أثبتت ومن خلال التجارب العملية، من أن العمل البشري في هذا المجال لا يختفي بل يتغير ويتطلب مهارات جديدة، فعوضاً عن صرف وقت طويل في قراءة النصوص وتصفح كتب ومراجع، استطاعت وسائل الذكاء الاصطناعي القدرة على اختصار ذلك الجهد وتقديم كم هائل من المعلومات متعددة المحتوى والأساليب، بشرط أن تكون قد بدأت من حاجة الكاتب وطبيعة المادة التي يعمل عليها، أي أن العامل البشري هو الحاسم في هذا الجانب وهو خلافاً لما يدعي البعض لا تشكل الآلات خطراً وجودياً على البشرية، لأن استقلاليتها ذات طابع تقني ليس إلا، حيث أنها لا تعكس سوى سلسلة من الروابط السببية المادية، بدءاً من جمع المعلومات وصولاً إلى صنع القرار، وعلى العكس لا تملك الآلة استقلالية على الصعيد الأخلاقي، لأنه حتى لو حدث أن أربكتنا وضللتنا أثناء اشتغالها، فإنها لا تمتلك إرادة ذاتية، وتظل خاضعة للأهداف التي حددت لها.
ومع التأكيد على أن إنتاج الذكاء الاصطناعي هو الحدود الجديدة للإنسانية، وبمجرد عبور هذه الحدود سيؤدي إلى شكل جديد من الحضارة الإنسانية كما تؤيد ذلك منظمة اليونسكو، لكن المبدأ التوجيهي للذكاء الاصطناعي ليس أن يصبح مستقلاً أو يحل محل الذكاء البشري، بل يجب علينا أن نتأكد من تطويره من خلال نهج إنساني قائم على قيم البشر وحقوقهم.
ومع تأكيد المنظمة الأممية على استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الثقافة على نطاق واسع، على سبيل المثال في الصور المستخدمة لإعادة بناء التراث، كما يتم استخدامه في العلوم أيضاً، لا سيما في البرامج البيئية والبحث تحت الماء، كما تعتمد الاتصالات والمعلومات أيضاً بشكل مباشر على التقدم المحرز في الذكاء الاصطناعي، وبخاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات، لكن هذا لا يقصي الاضطراب الأنثروبولوجي والاجتماعي الذي يجلبه الذكاء الاصطناعي.
وملامح ذلك الاضطراب في المجال الثقافي والكتابة على نحو خاص
تتجلى في:
– كيف يمكننا التأكد من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي ستكون أمينة على جهد السابقين من أعلام الكتابة وأصحاب الريادات في أساليبها، وحفظ حقوق الملكية الفكرية؟
– كيف نتحقق من كونه لا ينتهك حقوق الإنسان الأساسية من الخصوصية وسرية البيانات إلى حرية الاختيار؟
– من يضمن عدم سقوط الذكاء في إنتاج صور نمطية اجتماعياً وثقافياً ؟
– من يضبط المسافة بين الثقة في برامج الذكاء الاصطناعي ضمن مجال الكتابة والحذر حد الخوف منها ؟
لا يمكن هنا حقاً وضع إجابات واضحة وعملية لهذه الأسئلة، لكن بالعودة إلى عنوان المقال “الكتابة والذكاء الإصطناعي” نجد فعلياً أن العمل البشري في الكتابة لم ولن يختفي، بل يتغير ويتطلب مهارات جديدة، فهل نحن معشر أهل الكتابة في عالمنا العربي قادرون على مواجهة هذا التحدي الجديد والبدء في تجربته ؟