“العطايا الإلهية مستمرة بافتقار القلوب إلى الله”
بقلم / محمود سعيد برغش…..
اذا استشعرنا حاجتنا إلى رحمات الله ومغفرته ورضوانه أغدق الله علينا الفضل وجاد علينا بالكرم, فالعطايا الإلهية تستمطر بافتقار القلوب إلى الله تعالى والشعور بالخضوع له سبحانه, كما قال موسى عليه السلام : (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ), وكما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) فافتقار الإنسان إلى الله سبب للاستغناء به عما سواه.
وقد أمر الله عز وجل عباده بالإنابة إليه, ووعد سبحانه وتعالى صاحب القلب المنيب بالجنة فقال: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ).
والإنابة إلى الله تعالى حالة ينبغي للعبد أن يكون عليها مع ربه ، وهى أيضا عند أهل الله تعالى مرحلة من مراحل الطريق إلى الله سبحانه. وهذه المرحلة تأتي بعد اليقظة, والتوبة, والمحاسبة, وأصل الإنابة في اللغة يدل على الرجوع, وهي تدور في كلام أهل الله على أربعة معان: المحبة, والخضوع, والإقبال على الله, والإدبار عما سوى الله.
وأعظم ما تتجلى فيه الإنابة في الصلاة, ولذلك جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمود الأمر وأهم شيء فيه, فالصلاة دليل الإنابة, وهذه الدلالة تظهر في استقبال القبلة, فإن ذلك يذكرك بالإقبال على الله وأنت فيها, حيث جعل الله لك وجهة تتوجه إليها فلا تصلى إلى أي مكان, فالصلاة تلفتك بالإقبال إلى الاستقبال ، وفي الوقت نفسه وأنت مستقبل القبلة تكون مستدبرا العالم, وعندما تقول: “الله أكبر” يحرم عليك الكلام والأكل والشرب والعبث واللعب (وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ) يعني ساكتين, فكما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس, إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن” [أخرجه مسلم].
لقد أشارت الصلاة إلى المحبة بالعطاء, وأشارت إلى الخضوع بالسجود, وأشارت إلى الإقبال بالاستقبال, وأشارت إلى التبري مما سوى الله بالإدبار, وهذه هي حقيقة الإنابة.