العرافة وأنا
بقلم مريم صبري
مر من الوقت ما يكفي لتلقي رسالة منه؛ حتي أن البحر نفسه سئم الانتظار..جلست وحيدة بالقرب من البحر و لاول مرة منذ وقت طويل تسقط دموعها دون حساب..
لم تكن تعلم أنها بحاجة للبكاء..فدائما ما يعاملها الآخرون كما لو كانت بلا هموم..
تعلم بأنها قوية..ربما أقوي مما تبدو عليه؛ بل أقوي مما يظن البعض..و ربما أنضج مما يعتقد هو..و لكن تغلبها ظنونها فيه، و آمالها بأن تكون معه يوماً ما..
تنتظر منه ما يطمئن قلبها و يهدئ من لوعة حبها له و حنينها إليه..تنتظر رسالة منه و لقاء؛ لتبقي معه حتي تهاجر روحها الجسد و تسكن روحه حتي تفني العوالم..
تنتظر عتاب قاسي، يتبعه عناق طويل، ثم حالة من الصمت أمام امواج البحر الهادئة لتعلن روحها وقف الحرب؛ تلك التي بدأت منذ اللحظة الأولي؛ تلك التي تحلم بأنها لم تُشن قط..
مرت سبعة ليال منذ إرسالها تلك الباقة من الورود..سبعة ليال لم يرسل لها كلمة واحدة..سبعة ليال و كأنه لم يكن يوماً هنا..
و الآن، جالسة هي امام البحر، و لكنه اليوم أمواجه هادئة علي غير العادة..أيمكن للبحر عدم الشعور بها هو الآخر ؟ لطالما كان يواسيها..طالما كان أنيسها..و طالما كان سخطه يجعلها تحنو عليه و تختلق له من الأعذار ما يكفي لحبه إلي الأبد..
ربما سخطها اليوم كان مفاجأة للجميع..هل ستعود الي وعيها و تدرك بأنه سرابا لم يكن يوماً لها؟ ربما ستدرك بأنه ليس قوياً كما يبدو..فالقوة تكمن في المواجهة و سلب كل ما يجعلك سعيداً.. أما الهرب، فلم يكن يوما من شيم الرجال…
ربما هذا ما كانت تحاول العرافة قوله لها..
آه..تلك العرافة التي تود القضاء عليه..تود لو أن بأمكانها أن تمحيه من ذاكرتها..
ذهبت العرّافة للبحث عنها في كل مكان، في محاولة يائسة منها للحفاظ عليها و منعها من ارتكاب أية حماقة أخري و إيذاء نفسها..كم أرادت العرّافة أن تمحيه من عالمها !
للحظات، شردت العرّافة هي الأخري أمام امواج البحر..يبدو أن للبحر سحرٌ خاص يجذب اليه كل من له قلب..أو كل من له ماضي، أليس كل من له ماضي مؤلم قلب لين، لم يكن يقوي علي خذلان أحدهم أو فراقه؟
و ما الفائدة من لين القلب إن كان يجلب الحزن و خيبة الأمل لصاحبه؟
أو أن هذا هو قيراط الإنسان من الدنيا..فربما قدرك قلبا طيبا يأتي الناس إليه متي شاءوا ليجلبوا منه السعادة و الامل ثم يذهبوا مجددا في طريقهم..و لكنك حتما يتلقي مرادك يوماً ما…
أما العرّافة، فتذكرت ماضيها..تذكرت حماقتها حيت رأت خذلانه لها قبل وقوعه.. حين علمت بهجره لها قبل أن يذهب دون سابق إنذار..أو حتي وداعا تتذكره في مثل هذا اليوم..و علي الرغم من علمها بما سيحدث، صممت علي البقاء، بل و أقسمت علي حمله داخل قلبها الي الأبد..حمقاء مثلها، لا تقوي علي الرحيل
و لكنها ذاقت قسوة العالم، و تغير قلبها، بل أصبحت بلا قلب..او هكذا ظنت حتي رأتها أمامها منذ عدة سنوات..تلاحق سراب و تطلب المساعدة !
في البداية، كادت أن ترفض و قررت أن تقوم بعملها فقط؛ ستقرأ لها فنجان قهوتها و تأخذ المال في المقابل و تذهب..لا تريد أن تربطها أي علاقة بالبشر مرة أخري..و لكن فنجانها كان مختلفاً..و روحها جذبتها إليها، و جعلتها تجد أنيس جديد في الحياة بعدما فارقت الجميع…
فبالنسبة للعرّافة، لا تريدها تفقد شغفها و روحها في الحياة، ولا تريدها فناء العمر في ملاحقة ما لا يستحق.. ربما ما يجعلها تصبر عليها تلك السذاجة و البراءة الممزوجة بالقوة الخفية..التي و إن ظهرت، سيقع البعض في حبها مجدداً، و سيهرب البعض الآخر خوفاً من انتقامها..و لكن صبرها طويل تلك الحمقاء..فكم يحتاج الإنسان من الوقت كي يعرف متي يجب عليه الذهاب؟ أليس واضحاً أنه لا يريدها؟ أو ربما لا يريد أحدا من البشر؟
ف “ربما” كافية تماماً للكف عن الانتظار..
الانتظار في حد ذاته ليس ممتعاً إن كنت ستنتظر عمراً كاملاً دون جدوي…
هذا ما تعلمته العرافة..و هذا ايضا ما تخشاه، تود لو كان بإمكانها أن تذهب إليها و تقنعها علي عدم مراسلته مرة أخري..و لكن..
مهلاً..
أهذا خطابٌ آخر تكتبه الآن؟!