“العذراء… virgin”
بقلم الأديب د. طارق رضوان جمعة
من هى العذراء؟
العذراء هى فتاة لم تتزوج، وأشهر عذراء هى السيدة مريم أم نبى الله عيسى عليه وعلى نبينا المصطفى الصلاة والسلام.
لكن للأدب قول آخر ، فأنا أرى أن النساء تموت عذراوات حتى لو أنجبن قبيلة حين يتزوجن من رجال لا تعرف الحب! فمن يتفق معى أن الزواج بلا عاطفة متبادلة هو اغتصاب مقنن؟ جريمة لا يعاقب عليها القانون ويشهد عليها جميع من حول الزوجين. وتتوالى النتائج الكارثية لمثل هذه الزيجات فالمرأة التي لم تتزوج حبيبها ترضع اطفالها العطش. وأشد أنواع العطش هو أن ترث الأطفال قلوبا عجاف، لم تسمع تلك القلوب عن الحب ولا تعرف له سبيلا.
النساء أولئك اللواتي لم يتزوجن عن حب ما هن إلا بقايا أنوثة، إشاعة أنوثة. أولئك النساء اللواتى لم يحصلن على مهرهن ، فما المهر بسيارات فارهة ولا اثأث وذهب ثمين وليس بمنازل وحدائق غناء ، إنما مهر النساء أن ينطق اسمائهن بطريقة مذهلة…بحُب..كان الجموع فارغا حتى بأتى الحبيب حاضرا بكثرته!
أكتب عن تلك النساء اللواتى لم يشعرن بلمسة او حنان فالزوج غربب. كم افتقدن دفء الأسرة، كم أخمدن بركان الأنوثة بداخلهن ، كم فقدن الثقة بجميع الرجال ولم يجدن مثالا جيدا فى الرجال سوى الأب فقط. فصار جميع الرجال فى عيونهن ثعالب وصارت أيضا جميع النساء فى عيونهن افاعى باستثناء الأم.
أكتب عن تلك المرأة التى تتذكر الفساتين ذوات الأزرار الخلفية، تلك الفساتين التى لا تنفع لأن ترتديها امرأة وحيدة. حينها تشعر كم هي وحيدة.
أكتب عن تلك الفتاة التى تجاوزت العاشرة ولم تعد الدمية صديقة لها.
ولم يعد يخيفها الشبح الذي يلوح لها من نافذة الحلم . ما يخيفها حقًا
هو الشبح الذي يتربص لها في المرآة. هو العمر الذى يمر بها ويسرق أجمل سنين عمرها دون أن تستطيع فعل أى شىء لتحسين وضعها.
أكتب عن فتاة في الخامسة عشرة
تقول:
“أحببتُ ذكرًا وتزوجتُ رجلاً اختارته نساء عائلتى، وأغْمضن أعينهن عني. فأحببتُ حبيب امرأة أخرى.” أدركت حينها أول دروس الحب:أن الحب كذبة ميتة.
أكتب عن تلك الفتاة التى صارت في السابعة عشرة ، والتى تعلمت أن الرجال ليسوا إلا ذئابًا، ثعالب، وأفاعي ، وأن الحياة تتقن فن الأقنعة
وعن ذات الحادية والعشرين أكتب حين وشوش الله في أذنيها: “امضغي طعم الحياة كحبة حلوى بطعم الخذلان.”
ثم صارت فى الخامسة والعشرين،
فحملتها الحياة على بساط الرياح
لتسكن قلب رجل ظننتُه الدواء،
فطمر أحزاني ببسمة ساحرة
لكن اكتظاظ روحه ألقى بها نحو باب الخروج ومجازًا استبدلها بامرأة
تسمن بالمهانة. وترقص في أحضان الصخب بلا سبب. صار طعم الملح يملأ ملاءات السرير. وفي النهاية بجانب جثته. لم تعد لي رائحة تثبت أحقيتي بالحب. نعم فهو جثة بها حياة لكنها بلا روح ولا تشعر الزوجة بأن لهذا الزوج دور فعال فى حياتها فصار جثة.
عذراء أنتى يا فتاتى حتى من عناق الظل. لذا أكتب عنك نصى هذا برائحة الدم ، فأنت البكر الرشيدة التى لم يبرأ جسدها من ليالي المخاض، وأنت التي ولدت آلاف الآلام بكامل عذريتها.
في طريقها إلى عُمر العنوسة تحمل شهادةً جامعية وكتابين وأوراقًا تختنق بالكلمات، سريرها بحجم قارة
وقلبها طفلٌ لم يتعلم مكر اللحظة،
أسئلتها بلا إجابات وحروفها بلا إحساس ومشاعر أهدرتها، وأقلامٌ نفدت مع نبضات حيرتها، تراقب عمرها يمضي بينما خصوبتها تنساب
كحلم يتبخر قبل أن يُمسك ، مع كل شعرةٍ تسقط من رأسها تتهاوى فكرة
وتضعف أمنية ، أذنيها تتزين بأقراط الصبر وعنقها يحمل عقد الحب
الذي لم يثمر إلا خيبة، أصابعها تلفّها خواتم الندم كعقود لا تنفصم.
كبرت هى وعاد الحذاء الكبير ليناسب قدمها أخيرًا لكنه لا يحملها إلى طفولة المغامرة.
هى وقدرها في طريقين متوازيين:
هو نحو الكهولة وهى نحو الوحدة تحرر جسدها من مخاوف الصمت
وتشعل شمعة لتؤنسها في ليالي الانتظار .