بقلم/إسلام عبدالرؤوف عون.
منذ أن خلق الله هذا الكون الفسيح وهو ملئ بالأسرار التى تعجز العقول عن الوصول إلى ذاتها، والمتأمل فى جنبات الكون يجد أنَّ هذا الوجود الأرضى والسماوى يدل عظيم دلالة على أنَّ لهذا الكون خالق حكيم مدبر لأموره ومُسَيّرٌ لأصوله.
ومن أعظم أسرار هذا الكون الإنسان، فالإنسان مخلوق مُعَقّدٌ فى تركيبه عجيب فى تكوينه، يحمل جسده الكثير والكثير من الأسرار التى ما زال الطب والعلم الحديث يستكشفها بين الحين والآخر.
ومن أكثر الأشياء غموضاً فى جسد الإنسان (الروح) هذه التى حيرت عقول العلماء على مر العصور، فهى موطن الحياة فى الجسد، وقد حارَ الأطباء والعلماء لمعرفة حقيقة ذاتها ولكن دون جدوى، لتظل مثالاً صغيراً على أنَّ الإنسان مهما بلغ علمه ومهما وصل من التقدم الطبى والتكنولوجي فسيظل واقفاً عند حد لا يُذكر من علم آلله تعالى وأسرار كونه.
وقد حدثنا القرآن والسنة عن الروح فى أكثر من موضع، فتبدأ الروح من وضعها فى جسد الإنسان ليحيا بقدرة آلله تعالى قال سبحانه :”فإذا سويته ونفخت فيه من روحى…”(سورة الحجر، الآية«٢٩») لتأخذ رحلتها من العدم إلى الخلود مروراً بهذا الجسد البالى، وتمر فى هذه الرحلة بالكثير من المراحل التى تتنوع بين الدنيا والبرزخ والآخرة، وتظل طوال هذه الرحلة يشوبها الغموض الذى لا ينفك عنها ليظل سؤالاً واحداً يلوح فى الأفق دون إجابة حتى الآن وهو ما هى طبيعة الروح؟!!
وقد ثار ثمة تساؤلاً هاماً هل تموت الروح أم الموت للبدن وحده؟
والحقيقة أنَّ هذه المسألة الغامضة اختلف فيها العلماء فقالت طائفة: أنَّ الروح تموت لأنها مخلوق وكل المخلوقات سوف تموت ولن يبقى إلا الله تعالى قال سبحانه: “كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.”(سورة الرحمن، الآيات«٢٦:٢٥»).
بينما قالت طائفة أخرى: أنَّ الأرواح لا تموت وإنما الموت للأبدان فقط وحجتهم فى ذلك أنَّ النبى_صلى الله عليه وسلم_ أخبر بنعيم القبر وعذابه وهو واقع على الأرواح فلو ماتت لنقطع عنها النعيم والعذاب.
وقد آثرت الإكتفاء بتلك الإشارة البسيطة فى هذا الصدد حتى لا نتطرق إلى أمور لا يتسع لها المقام.
وقد أخبرنا النبى_صلى الله عليه وسلم_ أنَّ الروح تفارق الجسد ليموت الإنسان فى الميعاد المحدد له من لدن الله تعالى، ليظل الجسد ساكناً بلا حِراك بين يدى ذويه لتكريمه بالدفن حتى يعود إلى أحضان أمه التى نشأ منها وهى الأرض، ليكون قد أنهى أولى مراحله وهى الدنيا ليبدأ المرحلة التالية وهى الحياة البرزخية وتعتبر من أكثر المراحل غموضاً، ويثور بصددها تساؤلاً هاماً هل تعود الروح إلى الميت فى قبره وقت السؤال أم لا؟؟
والحقيقة أنَّ رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ كفانا أمر هذه المسألة وأغنانا عن أقوال الناس حيث أخبرنا صلوات ربى عليه أنَّ الروح تعود إلى الجسد فى القبر وقت السؤال، حتى يأتى الأجل المسمى وهو يوم القيامة لتسكن كل روح جسدها من جديد إيذاناً ببدأ المرحلة الثالثة والأخيرة وهى الحياة الأبدية إما فى الجنة أو النار والعياذ بالله.
والحقيقة أنَّ الأرواح فى هذه المراحل الثلاثة ليست على حدٍ سواء، فالمؤمنون لهم حال على قدر إيمانهم وكذلك غيرهم لهم حالٌ بقدر أعمالهم قال تعالى:”أم نجعل المتقين كالفجار.”(سورة ص، الآية« ٢٨»).
وفى القادم نستكمل الحديث عن حال الأرواح وما تراه وتصير إليه بإذن آلله.