الحلم الصهيوني
بقلم/ رسلان البحيصي ….
لم تغب سيناء أبدًا عن الفكر الصهيوني الذي بدأ يأخذ أشكال مؤسسية منذ القرن التاسع عشر في محاولةٍ لإحياء أرض الميعاد المزعومة لقد احتلت مصر بشكلٍ عام وسيناء بشكلٍ خاص موضعً متميزً في الفكر التوراتي فهي الأرض التي أتى إليها الانبياء إبراهيم ويوسف وموسى وسيناء أرض التيه اي تشتت اليهود وتيههم في أرض سيناء بعد خروجهم من مصر والذي عبر عنه الفكر التوراتي الصهيوني بأنه تغرب بني إسرائيل في سيناء لمدة أربعين سنة وضياعهم في بلاد التيه أي سيناء حتى وصولهم إلى أرض فلسطين لذلك يحرص الفكر الصهيوني على ادعاء التواجد اليهودي واستمراريته في سيناء منذ العهد القديم.
مشروع التوطين او ما يسمي غزة الكبري( فلسطين المصرية)
“سيناء: فلسطين مصرية” هو مسمي صهيوني يهدف إلى إدماج سيناء بفلسطين الكبرى كما ينزع عن سيناء انتماءها المصري الأصيل وهو يجعل سيناء أرض بلا هوية متجاهل الاسم التاريخي للمنطقة (سيناء) الذي ورد في الكتب المقدسة والكتابات التاريخية على حدٍ سواء وعدم اعتبار للهوية المحلية لسيناء وبالتالي تصبح فلسطين المصرية بلا هوية وبلا شعب محدد المعالم
وقد ترددت مشاريع صهيونية إسرائيلية امريكية نحو إعادة توطين أهل غزة في سيناء باعتبارأن سيناء هي امتداد لسوريا الجنوبية ” فلسطين ” في الفكر الصهيوني.
مشاريع الاستيطان في سيناء:
بدأ الالتفات الصهيوني إلى أهمية موقع سيناء مبكر نظرًا لطبيعة الموقع الجغرافي والاستراتيجي والبعد التاريخي لها في الفكر التوراتي الصهيوني حيث تحدثت بعض الروايات التاريخية عن بدايات الاهتمام اليهودي بسيناء في أعقاب الفتح العثماني لمصر في عام 1517م حيث تم اعتبار سيناء مطمعً للمشاريع الاستيطانية منذ عهد السلطان سليم الأول والسلطان سليمان القانوني في القرن السادس عشر وفي ظل رفض الدولة العثمانية لهذه المشاريع الاستيطانية لخطورتها على أوضاع سيناء ولأهمية سيناء آنذاك كمحطة في ربط الولايات العثمانية في شمال أفريقيا بقلب الدولة العثمانية ومرور طريق قوافل الحج من بلاد المغرب العربي إلى مصر ومروره عبر سيناء إلى الحجاز وقد تحدثت ايضا عن خلافاتٍ حادة نشأت بين المستوطنين اليهود الأوائل في سيناء ورهبان دير سانت كاترين مما دفع الدولة العثمانية إلى التدخل بمنع توطين اليهود في بقاع سيناء لكن الأطماع الصهيونية في سيناء ازدادت مع انتشار الفكر الصهيوني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث بدات محاولات جدية لإقامة مستوطنات يهودية في سيناء أو بالقرب منها ومن أهم وأخطر هذه المحاولات ” مشروع بول فريدمان ” للاستيطان في المنطقة بين عامي 1891م و1892م.
مشروع فريدمان
(مستوطنة ارض مدين)
بول فريدمان او الرجل الغامض
بروتستانتي ألماني ينحدر من أسرة يهودية ألمانية ويمثل تطورً هامً وخطيرً في تاريخ الفكر الصهيوني من حيث ارتباط المذهب البروتستانتي المسيحي بالفكر الصهيوني وتأييده لفكرة إحياء أرض الميعاد وهذا التحالف البروتستانتي الصهيوني جزء من التحالفت التي اثرت على مجريات السياسة الأمريكية وتعاطفها مع إسرائيل.
عام 1891م كانت أرض مدين شرق مدينة العقبة تحت السيادة المصرية وروج بول فريدمان لمشروع إقامة مستوطنة لتوطين اليهود الروس والمجريين والرومانيين في مدينة مدين واتصل فريدمان بسلطات الاحتلال الإنجليزي وأبلغهم نيته الهجرة على ساحل خليج العقبة فلم تمانع السلطات وعاد إلى المنطقة عام 1891م وسهل له الإنجليزي ادخال مدافع وذخائر ومتطوعين هربوا إلى المجر والنمسا على يخته البخاري إسرائيل الذي بني في جلاسجو، إسكتلندا وأبحر فريدمان إلى كراكوف لاختيار المهاجرين الأوائل منهم 24 مهاجر تحت قيادة فريدمان وبارون فون سيباخ والعقيد ثايله ومعهم طبيب وكيميائي وبناء و50 جندي ووصلوا السويس في منتصف نوفمبر 1891م ثم توجهوا إلى شرمة (شرم الموزة) في سيناء بالقرب من طور سيناء وأقاموا معسكر بنية عبور خليج العقبة للتوجه إلى مدين حيث اشتروا أرض في ناحية المويلح ومن هناك بدأ فريدمان يدرب المهاجرين اليهود على الفنون الحربية لكن المشروع فشل بعد أقل من شهرين بعد تمرد كثير من أتباعه بسبب صرامة النظام الذي فرضه عليهم وجرى طرد المتمردين من المستوطنة فتاهوا في الصحراء ولقى بعضهم حتفه واضطر للجلاء عن المنطقة بعد أن فشل في تأسيس مستعمرته نتيجة للخلافات بين الدولة العثمانية ومصر حيث كان الجنود العثمانيين يعسكرون على مقربة من المستوطنة الجديدة ومن أسباب فشل المستعمرة الخلافات الداخلية بين زعماء المستوطنة الذين كانوا جميعهم مسيحيين ويهود وصرف فريدمان علي هذا المشروع 170000 مارك ورفع دعوى قضائية يطالب فيها الحكومة المصرية بدفع 25.000 جنيه إسترليني وفتح القنصل الروسي في القاهرة التحقيقات ونشرت الصحف المصرية مقالات شديدة اللهجة عن الخطر الصهيوني القادم من أوروپا ونشر فريدمان على نفقته الخاصة كتاب عن المستعمرة باسم أرض مدين Das Land Madian برلين 1891م.كما طرح بول فريدمان في نهاية القرن التاسع عشر مشروع قناة حيفا العقبة وهي قناة بين حيفا على البحر المتوسط والعقبة على خليج العقبة وصولاً إلى البحر الأحمر ووفقا لرؤية فريدمان فإن هذه القناة البديلة ستحرم مصر من هذا الممر الاستراتيجي ” قناة السويس “، وستضعف من الاقتصاد المصري كما ستقلل بشكل كبير من أهمية وضع مصر في الإستراتيجية الدولية وسيكون كل ذلك في صالح إحياء مشروع أرض الميعاد فقد كان بول فريدمان يعتقد أن مصر القوية ربما تكون هي العائق الحقيقي أمام قيام إسرائيل الكبرى.