محمود سعيد برغش
يقول ابن خلدون في مقدمته .. إن الإنسان اجتماعي بطبعه …و هذا يعني أن الانسان فطر على العيش مع الجماعة و التعامل مع الآخرين فهو لا يقدر على العيش وحيدا بمعزل عنهم .. مهما توفرت له سبل الراحة و الرفاهية …
و حتى كلمة انسان جاءت من الأنس .. فهو يستأنس بمن حوله يعيش و يتعايش معهم …ينتج عن هذا التعايش تبادل في الأفكار و الثقافات … في العادات و المعتقدات …فيكتسب منهم و يكتسبون منه ..و بذلك تتكون شخصية عبارة عن مزيج من خبرات و مهارات متنوعة اجتماعية – ثقافية – إنسانية – علمية و عملية
و هذه هي المزايا الناتجة عن تواجد الإنسان في مجتمع من البشرو عدم اقتصار حياته على المحيط الضيق المتعلق بالأب و الأم .. و فيما بعد الزوجة و الأبناء
إلا أن هذه القيم و المفاهيم تراجعت كثيرا و تغيرت بشكل دراماتيكي كبير في آخر الأزمان فأصبح اختلاط الناس ببعضهم أمرا تشوبه الصعوبات الكثيرة …و أصبح اختيار أسلوب التعامل المناسب معهم يسبب أزمة ليست سهلة الحل …
و أصبحنا نرى انطواء كل فرد على نفسه و أسرته فلا يهمه ما يحدث حوله و يكتفي بعلاقات على أضيق الحدودحتى أصبح الجار لا يعرف جاره و الرجل لا يعرف أقاربه …
و رويدا رويدا بدأت تركيبة المجتمع تتغيرفأصبحت تتخذ صورة المجتمعات الصغيرة و الكثيرة يحتويها مجتمع كبير و تلك المجتمعات الصغيرة هي الأسر و ربما العائلات و كل منها يعتبر مجتمع يهتم بأموره الخاصة فقط و نسيى دوره في مجتمع كبير …
فأصابنا الشتات و ضرب البرود علاقاتنا و اقتصرنا على أضيق المحيطات حولنا و فقدنا قيمة المجتمع الكبير … الذي يكون الإنسان فيه فردا نافعا يعمل ليفيد و يستفيد يساعد الآخرين و يحمل همهم و يتحقق بذلك معنى التكافل و وظيفة المجتمع و هو ما يحث عليه ديننا و يعتبر من أهم أسسه و أهدافه …
و لعل هذا التدهور و التغير الكبيرين في طبيعة العلاقات الاجتماعيةيعود إلى عدة أسباب تراكمت عبر الزمن …
فلو سألنا لوجدنا أن الجميع تقريبا يتفق على أنهم لا يثقون بالآخرين و لا يأمنون عواقب بعض العلاقات وأصبح سوء الظن و الخوف من الآخر هاجسا مسيطرا …