الإستخدام المفزع لإسرائيل لمنظومة الذكاء الإصطناعى فى الحرب الحالية
اللواء.أ.ح. سامى محمد شلتوت
يعد الذكاء الإصطناعى مصطلحا واسعا يشير إلى قدرة الآلات أو البرامج على أداء المهام التى تتطلب عادة الذكاء البشرى مثل الإدراك والإستدلال والتعلم وإتخاذ القرار و حل المشكلات، و يمتلك الذكاء الإصطناعى العديد من التطبيقات و الآثار المترتبة على الحرب الحديثة، سواء داخل ساحة المعركة أو خارجها.
و فقا لعدد من التقارير المنشورة ، تستخدم إسرائيل نظامًا قائمًا على الذكاء الإصطناعى يسمى «هبسورا» الإسرائيلى. يقابله باللغة العربية «البشرى أو البشارة أو الإنجيل». لتحديد أهداف ضرباتها الجوية، و تحديد أولوياتها الدفاعية، و تعد «هبسورا» منصة جمع و تحليل للبيانات من مصادر مختلفة، بما فى ذلك صور الأقمار الصناعية، و لقطات الطائرات بدون طيار، و الذكاء البشرى، و وسائل التواصل الإجتماعى المختلفة.
※ يضع نظام «هبسورا» درجة لتحديد كل هدف، كما أنه يحدد أهمية الهدف و المخاطر و الأضرار التى يمكن أن تحدث إذا قررت إسرائيل ضرب هذا الهدف، ويرسل القائمة إلى القادة الإسرائيليين للموافقة عليها وتنفيذها؛ حيث يقوم النظام بتوليد و إنشاء الأهداف بإستخدام طريقة تسمى«الإستدلال الإحتمالى»، و هى سمة أساسية «لخوارزميات» التعلم الآلى فى الأساس، تقوم على تحليل كميات كبيرة من البيانات لتحديد الأنماط، و تعتمد فعالية هذه الخوارزميات إلى حد كبير على جودة و كمية
البيانات التى تعالجها، و تستخدم لتقديم تنبؤات أو إقتراحات بناءً على الإحتمالية المولدة. فإذا كان الفرد يشترك فى عدد من الخصائص التى يحددها النظام مع آخرين سبق تصنيفهم كمقاتلين و أعداء محتملين، فقد يصنف النظام هذا الفرد أيضا على أنه مقاتل، و يدرجه ضمن الأهداف المحتملة، و لذلك يعتمد النظام على الإحتمالات المشتركة وفق المعلومات المتاحة و ليس على اليقين.
※ و تكمن تداعيات و تحديات إستخدام الذكاء الإصطناعى فى الحرب أنه يؤثر أيضا على العلاقات الدولية و الدبلوماسية، من حيث إنه يضيف موضوعات جديدة على جدول أعمال الأجندة الدولية مثل الآثار الأخلاقية و القانونية و الإجتماعية للذكاء الاصطناعى، و تطوير معايير و قواعد الذكاء الإصطناعى، و حوكمة و تنظيم إستخدامات الذكاء الإصطناعى فى الحرب و الصراعات
الدولية بشكل عام. و تتطلب هذه المواضيع تعاونا و حوارا متعدد الأطراف بين مختلف أصحاب المصلحة مثل الحكومات، و المنظمات الدولية، و المجتمع المدنى، و القطاع الخاص.
كما تعد منظومات الذكاء الإصطناعى بمنزلة أداة جديدة للدبلوماسيين و المفاوضين؛ حيث يمكن أن يساعد على جمع البيانات وتحليلها، وتوفير دعم القرار، و صياغة الوثائق و ترجمتها، و تسهيل التواصل
والتعاون. كما يمكنها أيضًا المشاركة فى عمليات مراقبة التنفيذ و الإلتزام بالإتفاقيات و المعاهدات الدولية و تقييم التقدم المحرز مثل إتفاق باريس بشأن تغير المناخ، أو الإتفاق النووى الإيرانى.
※ و فيما يتعلق بتداعيات المنظومة الإسرائيلية، فقد واجهت إسرائيل إنتقادات وتشككا و مخاوف واسعة بشأن إستخدامها منظومة الذكاء الإصطناعى، على الرغم مما قدمته إسرائيل من تبريرات أهمها أن المنظومة تستهدف تقليل الخسائر فى صفوف المدنيين، و يمكن عرض أبرز الإنتقادات و المخاوف فى النقاط التالية:
• غياب الشفافية و المساءلة عن منظومة «هبسورا» و خوارزمياته بالكامل و ما يترتب على إستخدامها من نتائج، فليس هناك تحديد واضح لكيفية جمع المنظومة للبيانات و التحقق منها و معالجتها، وكيفية ترتيب الأهداف و تحديد النتيجة النهائية للاستهداف، كما لا توجد رقابة أو مراجعة مستقلة على قرارات منظومة «هبسورا» و أفعالها.
• إحتمالية كبيرة لوجود أخطاء و تحيزات فى البيانات والخوارزميات فقد تكون مصادر البيانات التى يستخدمها «هبسورا» غير كاملة أو غير دقيقة أو قديمة، وقد يكون للخوارزميات تحيزات متأصلة أو مكتسبة تؤثر فى أحكامها، على سبيل المثال، قد تعتمد «هبسورا» على منشورات خاطئة أو مضللة على وسائل التواصل الإجتماعى، أو قد تفضل أنواعا معينة من الأهداف على أخرى بناء على البيانات التى تتلقاها.
• الآثار الأخلاقية والقانونية لتفويض القرارات البشرية إلى الآلات، فإستخدام الذكاء الإصطناعى فى الحرب يثير تساؤلات حول المسئولية الأخلاقية والقانونية للمشغلين والقادة البشر، و مدى إحترام مبادئ القانون الدولى الإنسانى، مثل التمييز و التناسب، والإحتياط. على سبيل المثال، من المسئول إذا أخطأ منظومة «هبسورا» أو تسبب فى ضرر مفرط؟ كيف يمكن لإسرائيل أن تضمن إحترم حقوق وكرامة المدنيين فى غزة؟ كيف يمكن التحقق من أن الأهداف مشروعة ومتناسبة مع التهديد؟.
※ أتاحت الحرب الأخيرة على غزة، مصنع للإغتيالات الجماعيةو فرصة غير مسبوقة أمام إسرائيل لإستخدام وتطوير مثل هذه الأدوات فى مسرح عمليات أوسع بكثير، فوفقا لما أعلنه جيش الدفاع الإسرائيلى فى أوائل نوفمبر الماضي، خلال الأيام الـ 35 الأولى من الحرب، فقد هاجمت المنظومة خمسة عشر ألف هدف فى غزة، و هو رقم أعلى بكثير من العمليات العسكرية السابقة فى المنطقة الساحلية المكتظة بالسكان مقارنة مع حرب عام 2014، التى إستمرت
«51» يوما، التى إستهدفت فيها إسرائيل بين« 5000 إلى 6000» هدف، وهذا يظهر ما قدمته المنظومة الجديدة من تسريع لوتيرة ومعدل وحجم الإستهداف من خمسين هدفا سنويا إلى ما يقارب مائة هدف فى اليوم الواحد.
※وقد واجهت المنظومة فى الحرب أيضا بعض المعارضة والمقاومة، و منظمات حقوق الإنسان والناشطين مثل منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، الذين وثقوا وأدانوا انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولى التى ارتكبها جيش الدفاع الإسرائيلى فى غزة، ودعوا إلى إجراء تحقيق ومحاسبة المسئولين عن هذه الانتهاكات واستخدام
الذكاء الاصطناعى فى الحرب. و عدد من الهيئات الدولية و الحكومات، مثل الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبى وبعض الدول العربية والإسلامية، التى أعربت عن قلقها وإدانتها لهجمات جيش الدفاع الإسرائيلى على غزة، وحثت على وقف إطلاق النار والحل السلمى للصراع.
كذلك بعض المواطنين والجماعات الإسرائيلية، مثل دعاة يقظة الضمير الإنسانى، ونشطاء السلام، وبعض الصحفيين الذين عارضوا واحتجوا على العمليات العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلى فى غزة، وشككوا فى أخلاقية ومشروعية استخدام الذكاء الاصطناعى فى الحرب.
※إتصالا بما سبق، فقد عبر الباحث «ريتشارد مويس»، عضو «منظمة المادة 36»، وهى مجموعة تقوم بحملات للحد من الأضرار الناجمة عن أسلحة المنظومة «هبسورا» الإسرائيلية عن معارضته للمنظومة، قائلا «إنظر إلى المشهد المادى فى غزة، إننا نشهد تسوية واسعة النطاق لمنطقة حضرية بالأسلحة المتفجرة الثقيلة، لذا فإن الادعاء بوجود دقة وضيق فى استخدام القوة لا تدعمه أى حقائق واقعية».
※ فى الختام يشكك الخبراء المتخصصون فى مجالات الذكاء الإصطناعى والنزاعات المسلحة فى التأكيدات المستمرة التى تصدرها بعض الحكومات على أن الأنظمة القائمة على الذكاء الإصطناعى قد تقلل من الضرر الذى يلحق بالمدنيين عبر تشجيع الإستهداف الأكثر دقة. ونظرا لأن الذكاء الإصطناعى يعد تقنية جديدة لها آثار كبيرة فى سير العمليات الحربية ونتائجها، فإن إستخدام الذكاء الإصطناعى فى الحروب قضية مُعقدة وحساسة تنطوى على العديد من التحديات على رأسها خلق تهديدات جديدة للأمن القومى والإستقرار الإقليمى والدولى…..