الإبداع والإبتكار في يومهم العالمي
بقلم: أسامة حراكي…..
الإبداع والإبتكار هما القدرة على إنتاج الجديد، وخلق واكتشاف أشياء جديدة وأفكار جديدة، وهذه الميزة ليست حكراً على الفنانين والمخترعين، بل يمكن العثور عليها داخل كل واحد منا وتطويرها، فالإبتكارهو استحداث أمور جديدة تفيد الناس والمجتمع، فقد أثبتت الدراسات أن الحاجة أم الإختراع وأساس الإبتكار في كل زمان وعصر.
فإن للإبداع أهمية في حياة البشر وتنمية حسهم الإنساني وتطوير مقدراتهم الذهنية والنفسية، حيث أثبتت كل العلوم الطبية الحديثة أن للفنون على أنواعها أثاراً إجابية في الصحة النفسية والدماغية والجسدية للإنسان، وتنمي مداركه وتوسع آفاقه وتجعله أكثر رحابة في التعامل مع نفسه والآخرين، فالمبدع لا يولد مبدعاً، إنما يكتسب مهارات الإبتكار بالعلم والتحفيز والعيش في كنف مجتمع متحرك ومثقف، ومن الضروري أن يلتقي بأشخاص يفهمون إبداعه ويقدرونه ويساعدونه على توفير الأدوات اللازمة للإيداغ والإبتكار.
ويظهر الإبداع في مرحلة إكتساب العلم والمعرفة، وفي الأغلب مرحلة الشباب، حين امتلاك معلومات كافية لكي يُبنى عليها ويُبتكر، وفي الوقت نفسه تكون المعتقدات مرنة وقابلة للتغيير واستقطاب أفكار جديدة من ثقافات مختلفة ومُغايرة، وفي نقس الوقت الإبداع لا عمر له ولا يمكن ربط إبداع الإنسان بعمر معين، فقد يحصل ذلك عندما تنفتح عيناه على الحياة، أو قبل أن يغمضها للموت، إذ أن الإلهام قد يحصل في أي وقت، ولكن هل الجميع يتبع ذلك الإلهام، قلة فقط يفعلون ذلك، فالإبداع يولد أحياناً من رحم المعاناة، مثل اليتم أو الفقر أو تفكك الأسرة، فكل المحفزات واردة في حال وجدت روح الإبداع في أحدهم،
فلن تموت تحت وطأة أي ظروف قاهرة، فلا يمكن خنق الإبداع إذا ولد مع إنسان، لأنه يصبح جزءاً من شخصيته، ولكن كل ما يلزمه هي الظروف المواتيه كي يطفو إلى السطح ويظهر للعيان ويستفيد منه البشر، فالمبدع إنساناً يغرف من التجربة الإنسانية الواسعة الشامل، ولكي يبدع المرء عليه أن يكون طموحاً ولديه شغف التميز والإبتكار، فالطموح لا يكفي وحده إذا لم يكن المبدع جريئاً ومغامراً وراغباً في تحقيق إنجاز باهر، مهما كلفه الأمر من جهد وتعب وسهر.
كل الناس قادرون على الإبداع إذا وجدوا الظروف المناسبة لذلك
هي وجهة نظر تحتمل القبول والرفض، خصوصاً أن الإبداع في حد ذاته حالة ربما يُجمع الناس على نتيجته النهائية، لكنهم يختلفون على الظروف التي يولد من رحمها، ولا يهم إن اختلف الناس على تعريف الإبداع، المهم أن يجدوا الطريق إليه، ويدركوا مواصفاته ويتمسكوا بتوفير البيئة المحفزة عليه، فالإبداع ربما يكون وليد لحظة انعتاق من المعطيات المألوفة والمتغيرات المحيطة، أو حالة تحرر من خبرات الماضي وأحكامه وانطباعاته، تتزامن مع قبول للفكرة الجديدة الطارئة، واستعداد للنظر في جدواها وصلاحيتها، فالإبداع ليس حكراً على أحد أو على فن بعينه، لذلك تكمن الحرية في الانعتاق من الرغبة الدائمة في التملك، وممارسات الإنسان لا تنفصل عن بعضها، وجوهر الممارسة الروحية لا ينفصل عن الأعمال اليومية بما فيها السياسة والإجتماع، فالإبداع بالنسبة لنا هو الحياة.
يجب أن يتمتع المبدع بروح المغامرة، وأن يكون عنيداً ومصراً على إنجاز فرق يميزه عن بقية الناس، وأن يحظى ببيئة تؤمن بالمهارات الشخصية وتحفز على تطويرها، معتمدة على العلم والثقافة، فنشدد على شرط البيئة نظراً لكونها قادرة على وئد الإبداع في مهده.
في بعض الأحيان تكون المحن بمثابة الحافز الرئيسي في حث المبدع على عدم الإستسلام للواقع الذي يعيشه الإنسان، فكم من مبدعين عانوا الفقر والجوع والحرمان، فخلفية الشخصية المتأثرة بالفقر والعوز تؤثر كثيراً في إبداعه.
وهناك حافز آخر للإبداع يتمثل المنافسة بين المبدعين، ويبقى العامل الأكثر أهمية أن تتوافر للمبدع فرص مواتيه تكشف عن إبداعه وتعلمه كيف يتعامل مع قدراته فكرياً وعلمياً حتى يحقق الهدف الذي يرجوه.
على الأهل أن يراقبوا تميز اطفالهم ويصقلوا مهاراتهم ليصلوا بهم إلى قمة الإبداع، فحين يكتشفون تميزاً فيهم، أن يعملوا على إحاطتهم بالدعم والتحفيز والتشجيع، حتى يشقوا من نعومة أظافرهم طريق التفوق ويتمسكون بروح الإبتكار الموجودة لديهم، ويجتهدون على تحسينها أكثر فأكثر، والعائلة ليست المحفز الوحيد للإبداع، بل البيئة المحيطة بها، فانتماء العائلة لبيئة ديناميكية وطموحة، تحترم تميز أفرادها وتشجعهم على الإبداع، وإذا أردنا أن ننمي الإبداع في الأطفال علينا أن نوفر لهم ألعاباً فكرية تنشط ذكائهم وتعزز روح الإبتكار لديهم، كما يجب تشجيعهم على الدراسة وتثقيف الذات وتعلم اللغات لأهميتها في توسيع مدارك العقل، فالمبدع يتأثر بكل ما يحيط به، والإلهام قد يأتيه من أهل مشجعين له أو أساتذة جيدين، أو من أشخاص يؤثرون فيه إيجابياً.
وعلى المبدع أن يؤمن بنفسه وإمكانياته، وأن يكون شغوفاً بالوصول إلى هدف استثنائي، فالشغف هو الشرط الأساسي ليكون المرء مبتكراً ومتفرداً في ما ينجزه، ولا يقبل أن تمر حياته مرور الكرام، بل يتوق لأن يترك فيها بصمة مضيئة تخلد ذكراه.
وعلينا ربط الإبداع بالمحفزات، ومن أهمها الدافع الداخلي عند المبدع وإيمانه بأنه ينجز شيئاً جديداً، إضافة إلى المحفز الخارجي وهو الأسرة والمجتمع، والراحة النفسية تسهل على المبدع أن يعمل على إبداعه بأريحية، لأنه يلقى دعماً نفسياً وتشجيعاً من قبل المحيطين به، أما شعوره بأنه مهما بذل من جهد فإنه لن يجد من يرحب بإبداعه، فبالتأكيد سيحبط نفسياً ويتقاعس ويتخلى عن فكرة الإبداع.
فتوفير البيئة المناسبة للمبدع أمر أساسي بدءاً من المدارس، مروراً بتخصيص جوائز للمبدعين وأصحاب الإبتكارات، وصولاً إلى زرع نواة روح التقدم والتميز على صعيد دوائر الدولة ومؤسساتها، وتطبيق تلك التوجهات في البيت، فعلى الأسرة أن تعزز شخصية أولادهم وتزرع في نفوسهم الحافز والتوق إلى التميز والتعلم للوصول إلى ما يشرفهم، كما أن البيئة المناسبة والحاجة كلتاهما يعتبران أم الإبداع، إذا كان يحمل الإنسان بذوره منذ صغره، فيسقيها بما يوفره له المحيط المتبصر لإبداعه والمقدر لأفكاره وطموحه، فينمو ويزهر إبداعاً وفكراً خلاقاً، لكن لا بد من وجود أشخاص مثقفين في تلك البيئة يتبنون إبداع الفرد ويقومون بتوجيهه ووضعه على الطريق الصحيح لينجح وينجحوا معه، فالمبدع يولد مبدعاً وما يحتاجه أن يصادف الأشخاص المناسبين ليقوموا باحتضان إبداعه، فعلى الأهل أن يراقبوا أولادهم ويعملون بجهد ووعي على تنمية مواهبهم، ويسخروا الأنشطة الفكرية والعلمية من أجلهم، فلا يولد المرء مبدعاً بل يكتشف أنه قادر على الإنجاز والإبتكار، بعد أن تتوافر له الظروف التي تساعده على تنمية مهاراته وتطويرها حتى يصل مرحلة الإبداع والإدهاش، فوجود بيئة مهيئة ومستعدة لقبول الإبداع وتقديره، فمن شأن المحيط المتقدم فكرياً والذي يفهم الإبداع ويقدره، أن يحمي المبدع وإبداعه ويسهل عليه طرق الإبتكار.
الراحة النفسية التي يتمتع بها من لديه موهبة الإبداع، وإدراكه لما يريد في هذه الحياة، هما الشرطان الأساسيان اللذان يمكنانه من إبراز إبداعه وتقديمه للناس، فانطلاقاً من مفهوم أن البيئة مهمة جداً في تنمية الإبتكار وتساعد على حرية التفكير وإنتاج ابتكارات مهمة تخدم أفرادها والبشرية بشكل عام،علينا البحث في أسباب الخلل الموجود في مجتمعنا، الذي يقوم بتعطيل مسيرة الإبداع عند الأطفال وفي المجتمع عموماً.
وعلى الدولة دعم الإبداع بصوره وأشكاله كافة، على جميع الصعد محلياً وإقليمياً وعالمياً، وسياسات الدول تلعب دوراً بارزاً في تحفيز الإبداع، من خلال تهيئة الفرص والوسائل المناسبة وتنمية القدرات والتاهيل بشتى الطرق وتحفيز رغبة الإبتكار في الطلاب، فحينما تكون الدولة حاضنة للإبداع والمبدعين، تنبعث الطمأنينة في نفوس المتميزين ويحفز كثيرين على الإبداع مادام هناك من يرعاهم ويوفر لهم الوسائل التي يحتاجون إليها، فضرورة وجود جو عملي وعلمي بين المسؤلين عن المبدعين، من أجل توفير مناخ ملائم لهم يساعدهم على إطلاق العنان لإبداعاتهم، وتوفير المنح الدراسية وتسهيل الزيارات إلى مراكز الإبتكارات العالمية، والمحفز المادي بتخصيص الجوائز للمبتكرين، وتعزيز فكرة الإبتكار في الجيل الناشىء الذي يكون تربة خصبة للإبداع، كما أن التعليم الحر يعد محفزاً من أهم محفزات الإبداع والإبتكار، فالطفل منذ نشأته يستطيع أن يتعلم بعد أن يفكر ويفهم ما عليه أن يتعلمه، فالتعليم القائم على الحفظ ليس مجدياً، لذلك التشجيع ضرورياً للطلاب ليفكروا بطريقة حرة خارجة عن النطاق المعهود، ويطورون معلوماتهم حتى يصلوا إلى مرحلة الإبداع والإبتكار، فمنع الفكير الحر وفرض الديكتاتورية الفكرية يذهبان بالإبتكار أدراج الرياح.
ولنتذكر تلك الأقوال:
ـ لا شيء يمكن إبداعه من لا شيء “لوكريتيوس”
ـ الإبداع يأتي من الثقة فثق بغرائزك ولا تأمل أكثر مما تعم “ل ريتا براون”
ـ المبدع هو رجل أكثر بدائية وأكثر تحضراً وأكثر تدميراً، أكثر جنوناً وأكثر عقلانية من أي رجل عادي “فرانك براون”.