الأسطورة
بقلم: أسامة حراكي
حين كان شاباً كان يتجول مع صديق له بالعاصمة البريطانية لندن أمام مبنى البرلمان، فقال له بشكل عابر: سيقام لي تمثال هنا يوماً ما، وتقبل الصديق هذه الأمنية على أنها مزحة غير قابلة للتحقيق، وبعد أربعين عاماً وضع تمثال له إلى جانب تماثيل شخصيات لعبت دوراً في تاريخ الأمم.
“عندما يكون المرء في السجن يقابل الزمن وجهاً لوجه، ولا يوجد شيء يثير الفزع أكثر من ذلك” هذا ما كتبه نيلسون ما نديلا على جدار زنزانته التي عاد إليها زائراً بصحبة كبار الزوار، الذين أرادوا رؤية المكان الذي قضى فيه أيام طويلة من عمرة “سجن روبن آيلاند”
“إن حياة المعتقل روتينية، تتماثل فيها الأيام حتى تختلط الأشهر بالسنوات، أي شيء يخرج عن القالب يقلق السلطات، لأن الروتين علامة من علامات حسن الإدارة في السجن، وقد كانت الساعات ممنوعة من أي نوع وكنا نعتمد على الأجراس وصفارات الحراس لمعرفة الوقت، وكان أول ما فعلته بعد اعتقالي هو كتابة تقويم على الحائط، فالإنسان إذا فقد قبضته على الوقت فقد قبضته على سلامه، إن المعتقل لا يأخذ من الإنسان حريته فقط، ولكن يحاول أيضاً أن يحرمه من هويته، فالجميع يرتدون الملابس نفسها، ويأكلون الطعام نفسه ويتبعون البرنامج اليومي نفسه، وإن الدولة المتسلطة فقط هي التي لا تسمح باستقلال المرء وتفرده”
بدأ في معارضته السياسية لنظام حكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا عام 1942 واعتقل في فبراير 1962 وسجن بجزيرة روبن، وفي عام 1985 عرض عليه اطلاق سراحه مقابل إعلانه وقف المقاومة المسلحة إلا أنه رفض العرض فأصبح رمزاً للحرية في القارة السمراء، وفي فبراير عام 1990 أطلق سراحه ونال حريته بعد 28 عاماً من السجن وأصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا عام 1994 ونال جائزة نوبل للسلام في نفس العام.
مانديلا لم يكن رجلاً يقول ولا يفعل، يصرح ويتراجع، يعد ولا ينفذ.. حاول أن يثني بوش الابن عن ضرب العراق لكن الأخير رفض الاستماع، فصرح مانديلا: “لن أقابله إذا جاء جنوب افريقيا، لأنه رجل مارق يرأس نظاماً مارقاً، يختلق الأكاذيب، كذب على العالم واحتل العراق.. ووفى مانديلا بوعده، فحين زار بوش جنوب افريقيا رفض أن يقابله.. ووعد شعبه بأن جنوب افريقيا ستكون اول دولة افريقية تحصل على شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم، ووفى بوعده، وحين انتهت فترة رئاسته رفض الترشح لفترة أخرى ولو فعل لفاز باكتساح، لكنه لم يستسلم لإغراء السلطة والمنصب وزهد فيهم.
ولد نيلسون مانديلا في 18 يوليو 1918 في ترانسكي بجنوب أفريقيا، وتخرج من جامعة جنوب أفريقيا بدرجة البكاليوريوس في الحقوق عام 1942 وانضم إلى المجلس الأفريقي القومي، الذي كان يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء في جنوب السنغال عام 1944 وأصبح رئيساً له عام 1951 وفي عام 1961 بدأ مانديلا بتنظيم الكفاح المسلح ضد سياسات التمييز العنصرية، وفي العام التالي ألقي القبض عليه وحكم بالسجن لمدة خمس سنوات، وفي عام 1964 حكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة التخريب.
تزوج مانديلا ثلاث مرات، كانت الأولى من ايفلين نتوكو التي طلقها عام 1958 وأنجب منها 4 أبناء، والثانية ويني ماديكيزيلا، وطلقها عام 1996 والثالثة غراكا مانديلا، التي بقيت معه لأخر يوم من حياته.
وأشار مانديلا إلى أهمية العلاقة التى تربطه بسجانه السابق حيث قال أن الصداقة عززت مفاهيمي للإنسانية حتى مع الذين سجنوني، ويقول أنه تعلم التواضع من حمار، فحين كان طفلاً يرعى الأغنام، جمح به الحمار وألقاه أرضاً، مماسبب له الألم والارتباك أمام أقرانه من الأطفال، وطبع ذلك في ذاكرته قسوة إهانة الغير والتعالي عليهم، فأمن بأن الإنسان الحر كلما صعد جبلاً وجد من ورائه جبالاً أخرى يصعدها، وأن طريق الحرية طويل ويحتاج إلى الصبر والجلد.. وفي مثل هذا اليوم 5 ديسمبر من عام 2013 رحل عنا.