بقلم : السعودي محمد
وها هنا مسأله شرعيه، وهي أن الرجل إذا باع من غيره عشر دنانير من العبيد، فالمشتري إما أن يقبل الكل، أو لا يقبل واحداً منها، وليس له أن يقبل البعض دون البعض البعض في تلك الصفقة فكذا هنا إذا قال العبد إياك نعبد فقد عرض عن حضرة ﷲ جميع عبادات العابدين، فلا يليق بكرمه أن يميز البعض عن البعض ويقبل البعض دون البعض، فإما أن يرد الكل وهو غير جائز لأن قوله “إيّاكَ نَعْبُدُ” دخل فيه عبادات الملائكه، وعبادة الانبياء، وإما أن لا يقبل الكل، وحينئذ تصير العبادة مقبوله كعبادة غيره.
ويذكر ابن القيم رحمه ﷲ في “مدارج السالكين: أن سر الخلق والأمر، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب؛ انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، فإن ﷲ تعالى أنزل الكتب، ثم جمع معانيها في القرآن الكريم، وأنزل القرآن فجمع معانيه في فاتحة الكتاب، ثم أنزل الفاتحة وجمع معانيها في: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين).
وهما الكلمتان المقسومتان بين ﷲ عزوجل وبين عبده نصفين، فنصف له سبحانه: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)، ونصف لعبده وهو: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين)”.
وفي ذلك تخصيص ﷲ تعالى وحده دون سواه بالعبادة والاستعانة، فلا يعبد بحق ويستحق العبادة إلا ﷲ وحده، ولا يستعان، وليس أهلا للاستعانة إلا الله تعالى وحده.
وتقدمت العبادة على الاستعانة من باب تقديم العام على الخاص، واهتماماً بتقديم حقه – تعالى- على حق عبده، وفي التقاء ضمير المخاطب وهو الله سبحانه، وضمير المتكلم وهم المؤمنين، تلتقي حقوق الربوبية بواجبات العبودية في عبارة بمنتهى الإيجاز والبيان البلاغي.
فإذا كانت العبادة قائمة على كمال المحبة مع كمال الذل والخضوع والاستجابة لرب العالمين تقربا إليه بكل ما يحب ويرضى من الأقوال والأفعال والأحوال الظاهرة والخفية؛ فإن الاستعانة قائمة على تمام التوكل عليه سبحانه، افتقاراً إليه، وثقةً به، وتسليماً له وتفويضاً: (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) {فاطر}
وأختم بقول الشاعر :
لله في الخلق ما اختارت مشيئتُهُ… ما الخير إلا الذي اختاره ﷲ
إذا قضى ﷲ فاستسلم لقدرته… ما لامريء حيلة في ما قضى ﷲ
تجري الأمورُ بأسباب لها علل… تجري الأمور على ما قدر ﷲ
إن الأمور وإن ضاقت لها فرج.. كم من أمور شداد فرج ﷲ
وﷲ المستعان علي ماتصفون.