كتبت/ حبيبة غريب محمد
أيدولوچية التعصب والخوف و ثورة الغضب و إختلافها من فردا لأخر مرض العصبيه أو مرض الخوف، من الكلمات التي دخلت اللغه العامية حديثًا النرفزة تعنى هياج الأعصاب، وهي مأخوذة من الكلمة الأفرنجية nerves بمعنى أعصاب. وليس معنى هذا أن النرفزة لم تكن موجودة ثم وجدت، بل هي موجودة منذ وجد الإنسان، ولكن كنَّا نسميها ثورة الغضب، أو نحو ذلك من أسماء. وإنما الجديد هو التسمية فقط بالنرفزة، والجديد _ أيضاً _ أنَّ حياتنا المعقدة المركبة التي خلفتها المدنية الحديثة.
– كالطفل اذا مشي طويلا، وتعب عاد إلى بيته هائجاً مضطرباً كثير الصراخ كثير البكاء، يتلمس أي سبب للغضب حتى إذا نام وهدأ قام كالمعتاد هادئاً مطمئناً.
– ومن أعجب ما لاحظه الأطباء في أيدولوچية التعصب والخوف أن هناك سدوداً للتيارات التي تمر في الأعصاب، وظيفتها أنها تقلل من قوة التيار حتى يصل إلى المخ هادئاً، فإذا ضعفت هذه السدود وصل الانتباه إلى المخ في قوة تسبب اضطراباً.
– سبب ضعف الأعصاب:
وتضعف هذه الأعصاب بالتعب المضني، وبالكوارث المتتالية،وبالهزات العنيفة المتتابعة وهذا الضعف على درجات؛ فهو يبدأ بقلق وأرق،ويتدرج إلى عجز من تركيز الفكر وإظلام نفس،ويزيد إلى يأس شديد، وهيجان لأقل الأسباب، وعجز عن الراحة والهدوء، ونحو ذلك.
و
فإن أيدولوچية التعصب الخوف يتخذ أشكالاً مختلفة حسب ظروف كل شخص:
– فمن نما عنده الشعور الديني تمثل خوفه في الموت؛ فهو يخاف الموت، ويخاف العقاب بعد الموت، ويخاف الخطايا التي ارتكبها، والمعاصي التي وقع فيها في شبابه، وتتجسم هذه المعاني في نفسه، وتكبر حتى تقلق باله وتعكر صفو حياته.
– ومن كان شديد الشعور بالمال خاف الفقر إن كان غنياً؛ فألجأه ذلك إلى شدة الحرص والهياج عند كل قرش يصرف، والغضب الشديد عند كل ما يعرض من مطالب مالية.
– ومن كان رحيماً شديد العطف على أولاده ظهر خوفه من هذه الناحية؛ وأنَّ الطبقة الفقيرة من سكان المدن أقل من الطبقة الوسطى والعليا؛ لقلة مسؤوليتها.
– وسبب النرفزة والنرفزة أو هياج الأعصاب تنشأ من المجموع العصبي عند الإنسان، والمجموع العصبي يتكون من المخ، ومن النخاع الشوكي وهو المادة الهُلاَمية الموجودة في سلسلة العمود الفقري ومن ملايين من الخيوط الدقيقة التي تتفرع من المخ ومن النخاع الشوكي،وتصل إلى كل خلية من خلايا الجسم، وهذه الأسلاك أو الخيوط من أهم وظائفها أنها ترسل الإشارات إلى المخ، وتتلقى منه الإشارات؛ فهي أكبر وأعقد من أي محطة للأسلاك التلغرافية؛ فمثلاً إذا لمس أصبعك شيئاً ساخناً جداً، فجذبت يدك فمعنى هذا أن خلاياك التي في الإصبع لمست هذا الشيء الساخن وأرسلت خيوط أعصابك إشارة إلى المخ بما وجدت وما أحست، وتلقت إشارة من المخ بالانسحاب فانسحبت. وكل هذا يحدث في سرعة البرق، وهكذا إذا أردت المشي، أو تحريك يدك، أو الراحة، أو نحو ذلك. والأعصاب من مخٍّ ونخاعٍ وأسلاكٍ شيءٌ ماديٌّ يُرَى بالعين، او بالميكروسكوب، ولكنَّ التيار الذي يجري فيها كالتيار الكهربائي لا يُرَى ولكن يعرف بآثاره.
– اختلافات الناس في النرفزة:
وتختلف هذه المجموعة العصبية عند كل إنسان عن الآخر، فكما أنَّ كل فرد يختلف في ملامح وجهه وقوة حواسه وعضلاته وبناء جسمه عن الشخص الآخر قوة وضعفاً وجمالاً،
بل ترى الشخص الواحد يكون في حالة من الحالات قوي الأعصاب، فيواجه الأحداث العظام في صبر وثبات، ثم تتعب أعصابه لسبب من الأسباب، فيواجهها في قلق وجزع واضطراب، فكل إنسان بقليل من التفكير يستطيع أنْ يكون له فلسفة تشجعه ضد خوفه، وتملؤه غبطة وطمأنينة.
– وكلما قرأوا وسمعوا عن حُمَّى أصابت ولداً، أو شاباً أو شابة مات في ريعان شبابه زاد خوفهم واضطراب حالهم.
– ومن بلغت سنَّ الزواج، ولم تتزوج خافت أنْ يمرَّ موسم زواجها، وإذا خُطِبَتْ خافت أن تفشلَ في زواجها، وهكذا وهكذا الخوف فنون.
– خوف الأوهام
وقد يزيد الخوف حتى يكون خوفاً من أوهام،
فهو يتخيل دسائس تحاك حوله، وأن له أعداءاً يتربصون به، وأن بعض أقربائه يكيد له، وأن له في المصلحة من يفسد الأمر بينه وبين رؤسائه، وهكذا؛ فيخلق أوهاماً يخاف منها.
وفي الناس ألوانٌ شتى من لديهم أيدولوچية التعصب والخوف ، وعددهم ليس بالقليل، وكلما عظمت المدنية زادت ضحايا ضعف الأعصاب وخاصة أيام الحروب، فيقول طبيب أمريكي: إنه في أوائل الحرب العالمية الثانية كان عدد سكان أمريكا 130 مليوناً وكان عدد ضحايا الأمراض العصبية يقرب من 13 مليوناً بين مجنون ومضطرب، ومختل التوازن، وقد كان كثيراً جداً عدد الشبان الذين يتقدمون للجندية، فيُرَدُونَ عنها بعد الكشف الطبي عليهم؛ لاختلال توازنهم العصبي.
وبعد: فما علاج هذا؟
الواقع أنَّ علاجه في يد الإنسان أكثر من أن يكون في يد الطبيب، وأهم علاج له شيئان: يستنتجان مما وصفنا قبلا.
أولهما: الراحة الجسمية؛ فقد رأينا أن الخوف يتبع التعب الذي ينال المجموع العصبي كما ينال الشخص عقب مجهود كبير بذله؛ أو تفكير طويل فكره، أو حادثة جليلة هزَّته.
فهذه الأشياء وأمثالها تضعف المجموع العصبي، وتضعف السدود التي تحجز بعض التيار عن المخ؛ فإذا استرد الإنسان راحته قويت هذه السدود كالشأن في الإنسان يتعب، ثم ينام نوماً عميقاً، فيسترد ما فقده من خلايا، ومن وسائل هذه الراحة تغيير البيئة والمكان والرياضة المعتدلة، والرحلات الخفيفة اللطيفة ونحو ذلك؛ فإنها تفعل في النفوس ما لا تفعله الأدوية.
ومن ذلك _ أيضاً _ عدم التعرض لما يهيج الأعصاب، فمن عرف أنَّ شيئاً معيناً يُهَيِّجُه فليبتعد عنه، وليرأف به أهله، فلا يسببون له متاعب في النواحي التي يعرفون أنها تقلقه وتزيد اضطرابه, فإذا تمت راحته رأينا أنه قد زال خوفه, وتلك نتيجة طبيعية لما رأينا من أنَّ التعب يتبعه أيدولوچية التعصب والخوف.
والأمر الثاني: الإيحاء الذاتي
فهو يعمل في النفوس فعل السِّحْر, فليُكَرِر المريض على نفسه الإيحاء، بأنَّ جسمه سليم، وأنه يستطيع التغلب على هذا الخوف, وأنَّ يومه خير من أمسه، وأنَّ غده سيكون خيراً من يومه، وأنَّ ما هو فيه أوهام تزول بقوة إرادته، ومن كان يخاف الفقر فليكرر على نفسه فلسفة المال، وأنَّ المال عَرَضٌ من أعراض الحياة، وأنه ليس هو السعادة، وإنما هو وسيلة السعادة، وأنَّه لا يحق على نفسه الخوف من الفقر قبل حدوثه.