“أدونيس يؤدب شوقي”
بقلم الدكتور/احمد فرحات….
يخرج علينا أدونيس بعدة أفكار (غريبة) للحديث عن الفكر العربي وخاصة الإنتاج الشعري الراهن، فهو يرى أن الحداثة الشعرية طريقها –الأوحد- هو التبادل والتفاعل الذي يحدث مع الحداثة الشعرية (الغير –الآخر) بمعنى أن الحداثة الشعرية الأمريكية تؤسس في فضاء الأفق الفرنسي، والعكس بالعكس. وهذا هو المخرج العربي الراهن فلابد أن يحدث تفاعل وتبادل مع الآخر، وبذلك تتم الحداثة الشعرية الراهنة، مع التركيز التام بالقطيعة مع التراث لأنه تراث محكوم عليه بالاتباع والثبات وليس التحول. الغريب حقا أن السوري المغترب عن الوطن العربي شكلا وجوهرا يهاجم أمير الشعراء أحمد شوقي فيقول: في حال وضعنا أحمد شوقي مع الشعراء من أمثال البحتري وأبي تمام والمتنبي، وسألنا عما أضافه أمير الشعراء إلى هؤلاء الذين استعار منهم؟ فإن الجواب أنه لم يضف شيئا على الإطلاق.
الأكثر غرابة من قوله ورأيه المتجني فيه على شوقي أنه قاله قبل نصف قرن من الزمان ولم يستطع أحد من العرب الرد عليه، بل تواروا ، متهمين إياه بالتخلف والجهل فقط.
ويواصل أدونيس هجومه على الشعر المعاصر بطريقة استفزازية عندما يعلن أن ما تكتبه المرأة العربية اليوم هو كثر أهمية مما كتبه نزار قباني، ومحمود درويش وبدر شاكر السياب. وتعليل ذلك أكثر استفزارا لأنه يرجع ذلك إلى أن المرأة العربية بدأت تخرج من رأسها الثقافي وتكتب جسدها العميق الحقيقي، بما يراه يفتح طرقا جديدة للتعبير الشعري في حين أنالجيل الحداثي الذي أسمى رموزه بقي مترددا من الاعتراف بذلك.
فالرجل يرى أن المرأة العربية الآن تكتب ما تكتب لا بعقلها بل بجسدها، وأن لغة الجسد عندها أكثر تحررا من الرجل الذي مازال يقبع خلف عقله فقط.
هذا؛ وقد أضفت المرأة العربية على لرجل هالة من الأحلام والرؤى على هيئة حلم وفي الحلم تقدم رؤية شعرية ساحرة، وتنقل إلينا ما يختلج بالنفس، وما يدور بالروح من أمنيات عذبة، في صورة نص شعري متقن البناء.
وتحت عنوان “لي الله” تقول هدى الزهراني الشاعرة العربية:
رأيتك في المنام فقلت أهلا
بمن وطئ الفؤاد، وطئت سهلا
أقم هذا مكانك لا تغادر
فإنك لم تغادر منه أصلا
لي الله الذي سواك فردا
بعيني لم يقرب منك مثلا
وسوى لي بعينك ألف مثل
فكيف أروم من عينيك عدلا
ولا أبالغ إذا قلت إن الشعر ميدان خصب لتفريغ شحنات العاطفة المكبوتة؛ فقد حصر سيغموند فرويد وظيفة الحلم في “تفريغ الكبت الشعوري وقلب الصورة التي يرفضها الوعي لصورة مقبولة من خلال رمزية الحلم” . وللشاعرة في تصرف الحلم وما تراه مذهب فني معكوس، فالمعلوم أن المرأة تلهم الشعراء فنون القول وضروبه، أما أن يكون الرجل هو مصدر إلهام المرأة فهذا أمر جديد وطريف ويدعو إلى الدهشة المتوخاة من الشعر، فشعرها مدهش حقا!
وليس للحلم رغم كل شيء قوة تعديه إلى شخص آخر غير الحالم نفسه، فالحالم هو وحده الذي شاهد الحلم، وهو المعني الأول به، أما الآخرون بمن فيهم العابر نفسه إنما يتقبلون رواية لغوية للحالم”.
والشاعرة قد أجادت لغويا في صنع الحلم، فالشعر صناعة لغوية في المقام الأول، صناعة تجعل المتلقي شغوفا دائما، لاستقبال عمل فني مشوق ومثير مدهش.
أعتقد أن شعر هدى الزهراني سيشغل الناس طويلا لجرأته وحريته واستلهامها الرجل محبوبا، وسمات فنية وموضوعية أخرى سيقف أمامها النقد طويلا.
فلقد تحكم بي هواك فصار ما
أبني عليه توددي وخصامي
ولقد تحكم في بكاي وضحكتي
في فكرتي، وتوارد الإلهام
فلئن بكيت فذاك شوقي هزني
وغدا يجدد علتي وسقامي
ولئن ضحكت فذاك طيفك مرني
ألقى علي بنظرة وسلام
إن شعرا كهذا الشعر لجدير به أن يدرس دراسة مستقلة، تبين نوازع النفس الأنثوية الحارّة، وعواطف الأنثى المتقدة، وهذا اللهيب المقدس!
وليس في قولي مبالغة إذا اعتبرت شعر هدى الزهراني يماثل شعر ولادة بنت المستكفي و حفصة الركونية وغيرهن من شواعر الأندلس، ولم العجب؟ لنتأمل قولها:
إني أغار من الأنفاس تلفظها
فتنتشي بنت أنثى منك ما انطلق