أخت القمر
بقلم: أسامة حراكي
ما كل أخبار الهدهد بشائر، فبعض الأنباء تسقط ككسر في الظهر، وليس للموت بروفات ثابتة كي نتقن الدور ونعتاد عليه، فأدوار الموت وطرقه وأسبابه تتغير، وتفاصيله وسيناريوهاته تتغير، وحتى أبطاله يتغيرون.. وكان نباء وفاتها كالصاعقة.
فبعض الشخصيات الكتابة عنهم بعد رحيلهم كالتدرب على الموت، كالسير فوق طرق جمر لا تنتهي، وكانت بالطيبة بما يكفي كي نفشل في الكتابة عنها، وكانت من النقاء بما يكفي كي ترحل قبل أوانها، ككل الأشياء الجميلة التي ترحل قبل أوانها، كطفولة اليتيم، كلذة أسرار المراهقين.
أنا سعاد أخت القمر، بين العباد حسني اشتهر.. بهذه الكلمات أشرقت علينا فنياً سعاد حسني سورية الأصل، وهي في عمر 3 سنوات عندما اشتركت ببرنامج بابا شارو الاذاعي، وغابت عنا سنوات ثم أشرقت علينا عندما بلغت 17 عاماً مرة ثانية، من خلال السينما بفيلم حسن ونعيمة للمخرج الكبير هنري بركات عام 1959
في ذكراها من كل عام يتذكر عشاقها الذكرى الأليمة برغم مرور السنوات، فلا تزال في نفوس كثيرين وعقولهم، يحتفلون بها يومياً، يشاهدون أفلامها، يستمعون لأغانيها أو لإلقائها لأشعار صديقها صلاح جاهين، فقد وضعت انفعالاتها وقلبها وعقلها وروحها في إلقاء وتسجيل نصوصه الشعرية بصوتها، عكست تقلباتها وانقلاباتها وارتباكاتها، كأنها تلقي نصها الذاتي فكان أصدق تعبير عن وجعها الدفين وخيباتها المتلاحقة.
هي لا تحتاج إلى أن يُكتب عنها، لأنها أكبر من أي كلام، هي حالة استثنائية في الفن العربي، وظاهرة يصعب تكرارها، فهي إضافة إلى أدائها التمثيلي الذي يحمل من يشاهده إلى عوالم أخرى، فنانة استطاعت أن تغني الحياة، وهذا الارتباط بالحياة جعلها رمزاً من رموز الحياة، إلى جانب كونها رمزاً فنياً كبيراً، فهي لم تترك جانباً من جوانب الحياة إلا وقدمته في أدوارها من دون تحيز أو انحياز، فاستحقت بجدارة أن تكون ملكة كل القلوب، وسندريلا السينما العربية.
مع أنها ملأت الدنيا أضواءً وشهرةً، لم تشعر يوماً بأنها سعيدة، فقد كانت في ازدواجية خانقة عاشتها وعانت تداعياتها، بين كونها حاضرة في المشهد، وكونها أمضت حياتها وهي راغبة في أن تختفي، فانتقلت إلى لندن وبقيت فيها إلى أن فارقت الحياة، بعد أن سقطت من الطابق السادس من عمارة “ستيوارت تاور” يوم الخميس 21/6/2001 بعد رحلة مرض امتدت أكثر من 13 عاماً، وانتهى إبداعها وانتهت أحلامها وعادت إلى الوطن جثماناً، وبرحيلها اختلف الجمهور حول موتها، هل سقطت بسبب فقدانها توازنها أم انتحرت، أم كانت جريمة قتل، ثم عادة السندريلا للحياة بعد ثورة يناير حيث قيل أنها قتلت ولم تنتحر، فهل كانوا الذين قرروا قتلها خائفين منها بالبوح عن كواليس حياة فنية، سيطر عليها كبار رجال المخابرات يوماً ما فقرروا التخلص منها، وحرموا عشاقها منها.
مازالت بعد رحيلها عنا نجمة ومثال يحتذى لدى الباحثات عن الشهرة من جميلات هذه الأيام، وأغلبهن إن لم نقل كلهن، يعتبرون أن مفتاح شهرتها كان جمالها، إضافة إلى أدوارها التي قدمتها، لتصبح نجمة العالم العربي بلا منازع، لكن النتيجة بعد تبيان البرهان، أثبتت أنها كانت موهبة فنية غير عادية، وبالتالي ساعدها جمالها لكسب المزيد من حب الجمهور العريض الذي كان يراها نجمة لا تنازعها نجمة في عالم التمثيل، فقد عجزت السينما حتى اليوم عن اكتشاف نجمة تضاهي نجمتها.. السندريلا.
هذه الفنانة التي دخلت قلوبنا، على كل منا أن يكرمها بالطريقة التي يراها مناسبة، ولو كان الأمر بيدي لأطلقت اسمها على أحد الميادين أو المسارح وخصصت لها يوماً عربياً وعالمياً للاحتفال بذكراها، وبمناسبة الحديث عنها، فقد لاحظت مؤخراً الكثير من الفنانين الذين يتحدثون عنها في مقابلاتهم وحواراتهم، ويا ليتهم بدل الحديث عنها يحاولون دراسة موهبتها وتفهم أسباب نجاحها وتدريسها، وهي التي لم تجري وراء الأضواء والشهرة والنجومية، ولم تبحث عن مجد، بل كان المجد يطاردها في كل أعمالها، حتى تحولت إلى رمز من رموز الفن.
ختاماً، لا يمكنني أن أكتب عن أميرة حبي أنا وأميرة حبكم أنتم، إلا بكل هذه المحبة وبهذه الروح العاشقة، لأنها ببساطة مدرسة الحب، تعلمنا الحب من أعمالها، ودرسنا الحياة على أغانيها الرائعة، واستمتعنا فنياً في حديقة فنونها التمثيلية والغنائية، وإن أردت أن أكتب كل ما يجول بخاطري عنها، وأستعيد لحظات عشتها برفقة أغنياتها سواء في طفولتي أو الآن، لما انتهيت من الكتابة عنها، لأنها حالة مستمرة في حياة من يحبها، وهي ليست حالة عشق طارئة تمر يوماً وترحل.
فتحية لروحك الجميلة يا سندريلا في ذكراكِ، وتحية سندريلالية لكل من يحبك يا سعاد يا أخت القمر .