أحزان أوطاني
الشاعر د. عبد الفتاح العربي
يا وطني
لست وحدك من عم عليك الحزن
فكل مدينة خيم الضباب فوقها
انظر الى صنعاء ماذا صنعوا فيها
حطموا العزائم قبل الصوامع
و زرعوا الحقد في نواحيها
قسموهم شيعا و قبائل
و فرقوا بين الأم و بنيها
قتلوهم و شردوهم
و أصبح الذئب يرتع فيها
جاؤوها بصلح معيب
شتتوا ما تبقى من براريها
هذا ركن من وطن دمروه
ما تبقى سوى سواريها
ألق بنظرة على دمشق
كانت عروس الشرق و شاميها
تمشي الخيلاء و تبني شموخ
العرب والعالم لا يضاهيها
سكنت حضارة كبرى
و حكمت طيلة ماضيها
ليست حزينة لوحدها
بغداد العروبة
غصتها في حلقها و بحتها
في حنجرتها
من خطبة عصماء في عهد بعيد
و حضارة شاهقة
لم يستطع تطويعها كل الغاصبين
بغداد فيها جرح دفين
و حسرة غائرة تنزف منها
من غدر أصابها من لعين
انهضي يا بغداد من كبوتك
فحصانك جاهز لمعركة النصر
تلك المدينة حزينة
على البحر تشدو لحن العشاق
بيروت مدينة الأنوار
انطفأت أنوار مرفأها
و يغشيه ضباب الحرائق
ليست وحدك يا بيروت حزينة
فالقدس مدينة السلام
رتع فيها صهاينة و غربان
حتى الكنائس سكتت أجراسها
بحت حناجر تنادي القدس لنا
صدح آذان كل الصلوات
و نطق من مرقدها كل الاموات
القدس لنا
ليست وحدك حزينة
فقاهرة المعز عبثوا فيها الإخوان
قاومت الخراب
طردت عنها هذا الذباب
حزينة أنت لأختك تونس الخضراء
لما لحق بها من يباب
مازال يتربص بها الذئاب
ليست وحدك حزينة
تلك المدينة
فدمشق قطعوا أوصالها
خانوها و الضغينة زرعوها
شربوا الدماء من دلو السواد
أطفأوا أنوارها الزهية
بتروا ساقيها و شموخها
لكنها أبية
ليست وحدك حزينة
يا مدينة الألف شهيد
جزائر العصية
نزفت طيلة سنوات العشرية
لكنها انتصرت
جرحوها تركوها
يتربصوا بها لكنها شامخة عتية
ليست وحدك حزينة
تلك المدينة
طرابلس الألف حافظ
لطخت جدرانها بدماء زكية
سرت شاهدة على خيبة مستعمريها
الطف بها من غدر بنيها
ليست وحدك حزينة
تلك المدينة
فعمان تعاني من عوز
ضيق هنا و جارة تظلم
فلسطينييها
تلك المدينة حزينة
ليست وحدك
فالرباط منارة المحيط
تطل على جبل طارق تناديه
للتاريخ ..وجد
للحب أنهار من القبلات
لاندلس ضاعت من بين أيدينا
ليست وحدك حزينة
تلك المدينة
تطل علينا صومعة الكويت
تنير الخليج بنور خافت
ذبلت فيه أصداء ماضينا
ليست وحدك حزينة
تلك المدينة
فكل عواصم العرب
دفينة
تبحث عن ذاتها
عن قدح تشرب منه شراب
الفراغ
تنتهي من ماض و حاضر
دون مستقبل
كل الاشرعة تمزقت فينا
تلتهم النار كل جزء
لم يبقى الا ندوب في فناءينا
يكسو السواد اديم مدننا
مات الورد و الزهر و لم يبقى
الا الموت يأتينا
نبحث عنك يا وطننا العربي
مدينة مدينة
منعطفا..منعطفا
و زقاقا..زقاق
فأنت من تدفينا