بقلم مريم عوادي
إن أبسط تعريف يمكن أن يعرف به الإنسان هو: جسم وعقل ونفس. إن المخلوق البشري يحتاج دائما تنمية كل هذه العناصر لينعم بصحة وحالة جسدية عامة مستقرة وطبيعية. وذلك يتم بالحفاظ على أعضاء الجسم وأجهزته إعتمادا على نظام غذائي متوازن وبعض التمارين الرياضية، بالإضافة إلى تطوير مهاراته العقلية عن طريق القراءة والتفكير والتأمل، وأخيرا الحرص على إستقراره النفسي والروحي بتوفير نمط حياة ومحيط سليم هادئ والإبتعاد كل البعد عن مسببات القلق والتوتر المزمن.
إن ما يبعث النفس البشرية على الإبداع والعطاء والإكتشاف هو الحالة النفسية المستقرة، فمحرك القوة والتحفيز لدى البشر هو السلام الداخلي، ما وجد إنسان على وفاق مع ذاته وداخله سكينة وإتزان إلا و كان قادرا على الإنتاج، عكس الإنسان المضطرب نفسيا الذي تدور بداخله حروب و تشتعل به نيران و تلتهمه وساوس و هوس و أفكاره السلبية التي لا نهاية لها.
الإنسان الطبيعي سليم النفسية أشبه بالطفل الرضيع الذي يجول المنزل وينتقل بين أرجائه ممسكا بلعبة ورامى بأخرى ويركز على ما يشاء من الدمى، وفي المقابل له الشخص المتعب والمستهلك نفسيا كالرضيع المسجون في مهده والمسلوب من كل ألعابه معلقا كل أحلامه وطموحاته في الخروج من المهد للإستمتاع كغيره من الرضع والأطفال المتحررين .
هكذا هي حالة كل المستنزفين نفسيا، أملهم الوحيد في النجاة هو الخروج من دائرة الصدمات والمنغصات التي أثقلت كاحلهم متجهين بذلك إلى العالم الواقعي أين يتسنى لهم أخيرا الحصول على حياة طبيعية تخمد كل أصواتهم الداخلية التي أحبطتهم .
ما يضر كثيرا مجتمعاتنا ليس فقط قلة الوعي بأهمية الصحة النفسية وإنما الضغط المجتمعي الذي يتعرض له كل من يريد العلاج والتشافي من صدمات وإضطرابات نفسية باتت تأرق مجرى حياته، فلأسف الشديد ونتيجة جهل البعض بهذا المكون الرئيسي للإنسان ” النفس والروح البشرية”، أصبح كل من يلجأ لطبيب او اخصائي نفسي يكنى ويدعى بــ” المجنون”، وهذا ما يزيد الازمة النفسية عند المرضى ويجعلهم في الكثير من الأحيان مخيرين بين المعاناة في الصمت او الظهور بصفة المجانين والناس الغير طبيعيين لمن حولهم.
يقول المثل القديم ” اذا لم تتقن فن التجاهل ، سوف تخسر الكثير و أولهم عافيتك” ، يؤكد هذا المثل على مدى أهمية الصحة الجسدية منها و النفسية و كيف يجب ان تسقط كل المعايير و الآراء أمام الحفاظ عليها ، كل ما يجدر على المرء التركيز عليه هو الوصول إلى مرحلة التصالح الذاتي و السكينة في سبيل انتشال نفسه من دوامات الإحباط و التشكيك بقدراته و توقع أبشع الأحداث .
كما للأمراض العضوية أدوية و علاج فان لنظيرتها النفسية نفس الشيء ، ستزول حتما الآلام و المحن النفسية شرط أن نواجهها وأن نسعى لعلاجها ، ليس ذنب المرء أن تتولد عنده إضطرابات نتيجة لمواقف و فترات معينة من عمره، فمعظم البشر ضحايا لناس ، ظروف ، و مجتمعات .. كما أنهم جميعا في رحلة التداوي متطلعين لليوم الذي تشرق فيه شمس التحرر من القيود و الضغوطات النفسية المزروعة فيهم.
ستعود المياه إلى مجاريها لا محالة ، و سيتخطى الجميع أزماتها النفسية و ستزهر الحياة من جديد و ستنسى الصعاب كما لو أنها لم تتواجد مطلقا … ستمر هذه المرحلة كما يمر كل شيء في العالم !