بقلم ، د هاني ابو الفتوح
ربما يتساءل الكثيرون ما جدوى الذهاب إلى مجلس الأمن في قضية سد النهضة وسط محاولات منحازة من الاتحاد الأفريقي لتحول دون اتخاذ أي قرار ضد اثيوبيا والقبول بأن يكون الاجتماع لمجرد سماع كلمات دون مشروع قرار او مجرد توصيات تحت الفقرة ٣٥ من الباب السادس ووصل الأمر لدى الكثيرين في مصر للتساؤل وماذا بعد مجلس الأمن ولماذا ذهبت إليه مصر أساسا ؟
وماهي مفاتيح الحل بعد جهالة وتعنت اثيوبيا ولغة الاستقواء والمخادعة التي تتحدث بها لاستعطاف الدول عن اهمية السد لها ولفقر شعبها دون ان تعول على خطورة استعجال ملأ السد على دول المصب واخيرا هل بات الخيار العسكري آخر الدواء ؟
أسئلة كثيرة عدة لملف ساخن جدا على طرف نقطة إطلاق النار لكن هل بهذا القدر من السهولة كما يعتقد البعض أن الخيار العسكري هو الأسهل والأسرع دون النظر للعواقب في ظل مجتمع دولي غير متوازن تغلب فيه المصالح على صوت الحق والعقل والمنطق.
مصر تساهلت كثيرا مع خبث النوايا الأثيوبية ومن ورائها ايا كانت دوافعهم وانطلاقا من دورها الرائد في أفريقيا انها ليست ضد تنمية اي بلد أفريقي ولطالما دعمتهم حتى وان غابت عنها فترة طويلة استغتلها الصهيونية في بسط نفوذها وتواجدها وهي بالطبع في الخفاء ضد اي مصالح حيوية لمصر ومع ختقها بشريان الحياة الرئيسي فيها
وثقت مصر واحترمت تعاهداتها واتفاقياتها ولم تنتبه حين توقف الجانب الأثيوبي عند رفض كافة توصيات الوسيط الفني في مدة ملأ السد وحقبته الزمنية المطلوبة بحيث لا تضر بدولتي المصب ولا بحقوقهما المائية التاريخية بل نقض كل العهود الموقعة وطالب بتغييرها مؤخرا لينقلب الصراع من مجرد حديث عن فترة زمنية للملأ الى حديث عن انكار حقوق تاريخية مائية في ظل حصة مصر المحددة ب ٥٥ مليار متر مكعب سنويا وهو بالكاد لا يفي بكل متطلبات الحياة الآمنة والضرورية
استمر الخلاف المصري الأثيوبي سنوات ولكن البناء في جسد سد الغدر لم يتوقف بل وزادت ارتفاعه وعرضه والهدف منه والقوة الكهرومائية المستهدفه حتى وصلت البحيرة خلف السد الى حجز ما يعادل ٧٤ مليار متر مكعب من المياة ما يعادل حصة كل من مصر والسودان حال الامتلاء الكامل
احترمت مصر التدخل الأمريكي وصندوق النقد واعتقدت انه طريق للحل الا ان اثيوبيا لم توقع على الاتفاق او تلتزم به واحتمت بمساندة وموقف اتحاد افريقي متخاذل وضعيف ومنحاز خاصة من جنوب أفريقيا ومعظم الدول الموقعة على اتفاق عنتيبي والموعودة بكهرباء رخيصة لذا لايمكن الاستناد إليه أو الاعتماد على حياديته
أدركت مصر مؤخرا خطورة الموقف الشديد وان تهديد اثيوبيا ببدء ملئ السد هذا الشهر في تحد سافر وخطوة احادية الجانب لن يقابلها ويردعها ويوقفها الا حل عسكري رادع ينهي الأزمة من جذورها ولكن متى وكيففلا يمكن ضرب السد بعد الامتلاء والا كان الضرر فادح ويعرض حياة الملايين الأبرياء للخطر
ولكي تلجأ مصر لهذا الحل يجب أن تحميه بغطاء دولي واضح حتى لا تتعرض لأي عقاب دولي عالمي وألا تتعرض لغرامات كبيرة ووقف مصالح ولا نتناسى ان اي عقوبات اقتصادية لن يتحملها شعب يعيش على الاستيراد أكثر من الإنتاج بشتى أنواعه ويدعم اقتصاده بالاقتراض من صندوق النقد الدولي ويخضع لمراقبته ومساءلته
اذا الحل العسكري السريع ليس مجرد ضربة طيران او تفجير مخباراتي على أعلى مستوى وانتهى الأمر بل ستكون معركة سياسية طاحنة ومصر لم تكن يوما دولة معتدية ولا ذات مطامع ولا ضد إرادة الشعوب ولا رغبات التنمية فيها ولكن ليس على حساب شريان الحياة الرئيسي فيها نهر النيل العظيم
ذهبت مصر لمجلس الأمن لتعلن للعالم اجمع ان هناك مشكلة كبرى قائمة قد تنفجر وأنها لن تسكت عن ضياع حقوقها ورضوخ ارادتها لمجرد رغبة مطامع جامحة وتنفيذ أهداف خبيثة ،
ذهبت مصر كخطوة أولى لتوضيح الصورة وانذار للعالم أجمع يعفيها من كل حرج وقت الحساب لذا ذهبت تحت الباب السادس فلم يتم بدء تنفيذ التهديد بملأ السد بعد وان شرعت اثيوبيا فيه فسيكون الطلب فورا من مجلس الأمن التحرك تحت الباب السابع لان هنا تهديد فعلي وعملي لأمن وحياة الناس أوجب علي مجلس الأمن منع كل مايكدر الأمن والسلم الدوليين
وان لم يفعل فحينها ستكون لها كلمتها للعالم أجمع لا خيار فيها اما وقف اثيوبيا عند حدها فورا واحترام كافة الطلبات والحقوق المصرية أو أن يتحمل العالم أجمع مسؤوليات كل تصرف أحادي أحمق فلكل فعل رد فعل
مصر المسالمة تصبر ولا تفرط لا تريد استخدام القوة ولا تستقوى على أحد ولكن حين تضطر لذلك ستفعل دون انتظار سواء في اثيوبيا او ليبيا ولكن قبل أن تفعل تريد إعذارا وانذارا دوليا عالميا أنها قد حذرت وأنذرت وأعذرت .