ميلاد امل
بقلم عبير مدين
مثل غيري من المعنيين بالسياسة الخارجية لما تلقي به من ظلال ثقيلة على منطقة تقع في موقع المفعول به في الجملة لاحظت فرحة البعض بفوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية وبميلاد امل في التغيير والحقيقة ان امل نفسها لا امل لها في التغيير فقد تناسوا ان في وقت ولاية ترامب الأولى تم اعلان القدس مقرا للسفارة الأميركية في إسرائيل، وتم بث العديد من اللقاءات له يتناول موضوعات خاصة بعدد من الحكام العرب مازالوا ملتصقين بكرسي الحكم، كما تم بث العديد من التسريبات لهم ولو انصفوا لغادره خجلا مما قيل عليهم ولم يمتلكوا الشجاعة لنفية او تبرئة انفسهم واكتفوا بذاكرة الذبابة التي تتمتع شعوبهم بها!
ولست أدرى لماذا نعتقد ان دول الولايات المتحدة الأميركية او دول الاتحاد الأوربي وبريطانيا يحكمهم افراد ينفردون بالرأي والقرار؟! هذه الدول يحكمها دول عميقة لا تغير سياستها الا وفق مصالحها يشاركها الحكم اللوبي الصهيوني الذي يوجه دائمة دفة المركب لتنزل المساعدات على شواطئ إسرائيل طفلها اللقيط الذي يضمن بقائه استمرار هيمنتها على المنطقة ينافسه في قصة العشق النظام الملالي في إيران والذي يضمن لها استمرار امتصاص خيرات دول الخليج وابتزازه.
عكس استطلاعات الرأي وتوقع الجميع فاز ترامب بأصوات المجمع الانتخابي اذ لابد ان تجد الدولة العميقة في أمريكا مبررا لتغيير سياستها الخارجية كاملا هاريس نائبة الرئيس الأضعف الذي حكم الولايات المتحدة ونائبته التي تسير على نهجه والتي لا يخفى على احد ان أصابع براك أوباما كانت تحركهم كما الماريونت لا يصلحون لهذه المرحلة التي انزلقت فيها قدم أمريكا في مستنقع أوكرانيا، وعينها على تايوان، ويحاول نتنياهو جر رجلها الأخرى في حرب استنزاف بالقطاع المكلوم ومناوشاته مع ايران تارة تقترب من الخط الأحمر وتارة تعود لشهر العسل بينهما! فكان فوز ترامب حتمي لخلق هدنه استغلال لشعاراته بقدرته على إيقاف الحروب المشتعلة في انحاء العالم والتي تغذيها أمريكا لترويج أسلحتها وتسويق غازها والقضاء على اصدقاءها قبل اعدائها ففي عالم السياسة لا اخوة ولا صداقة عالم تحكمه المصالح والبقاء فيه للأقوى ومن لديه اكتفاء ذاتي من غذائه.
ترامب ذو ال 78 عاما رجل طموح مثلا اعلى لكل من يرفض الهزيمة بعد انتهاء مدة ولايته الأولى في 2020 والتي شهدت اعمال عنف من مؤيديه بدعوى ان نتيجة الانتخابات كانت مزورة وتم توقيفه ومحاكمته بدعوى انه المحرض على هذه الاعمال لم يهدأ ولم يستمتع بثروته على ظهر يخت وترك خلفه يفعل ما يأمره به ربه بل استجمع روح التحدي وواجه فساد الاعلام، وتشويه سمعته، محاولات اغتياله واجه اعلان الحرب عليه من حزبه الجمهوري والحزب الديمقراطي المنافس وخرج من كل هذا رافعا الرأس ملوحا بعلامة النصر!
فوز ترامب الذي دفع به حزبه الجمهوري على مضض فتح الباب للحزب للاستيلاء على أركان السلطة الثلاث: الرئاسة ومجلسي الشيوخ والنواب وبهذا يتم تشكيله للفريق الذي سيقف بظهره إضافة الى ظهيره الشعبي الذي تضرر واستاء من سنوات حكم الحزب الديمقراطي ووجد الخلاص في تصعيد ترامب لكرسي الحكم وهو يرى ان التفويض الجديد له تصحيحا لما اعتبره تزويراً واستهدافا شخصيا ورد اعتبار مرضي له، وعلى الصعيد الدولي القيصر الروسي يعيش أجواء الانتصار بعودة حليفه القديم في الوقت الذي بات فيه زانيسكي وهو يضرب اخماسا في اسداس، نتنياهو هو الاخر سارع بالاطاحة بحلفاء الحزب الديمقراطي من حكومته ضاربا بغضب الشارع والمعارضة عنده عرض الحائط واظنه يفكر في ضربات جديدة على الجبهات التي فتحها ليفرض امرا واقعا يرضيه قبل تغيير الإدارة واستغلالا لكل الفرص المتاحة من النظام المنتهية ولايته، الصين تشعر بالقلق فسياسة ترامب خلال مدة ولايته الأولى كانت متشددة والحرب الاقتصادية كانت عنيفة لكنها تطمئن من جانبه انه لا يرغب في الدخول معها في صدام مسلح اما ايران فهي قلقة ولا تنسى عدوانيته تجاهها وتلويحه بقصف منشآتها النووية قد يكون ذلك مجرد مزايدات انتخابية، لكن ينبغي ان نتذكر مهاجمتهه سياسة الديمقراطيين التي يتهمها بالتساهل والتواطؤ مع إيران، هذا الواقع سوف يدفع إيران إلى تقديم قياداتها المعتدلة للمقدمة مثل الرئيس ونائبه الذي بدأ مدة ولايته واصفا علاقته بأمريكا انها صداقة كما ان النظام سوف يظهر قدرا من المرونة وكسب الوقت بينما قد يعمل بأقصى سرعة على إنجاز المشروع النووي بشكل أكثر إلحاحًا.
وكوريا الشمالية تترقب صفقات جديدة معه، اما السلطان العثماني فالتجربة مع الديمقراطيين كانت سيئة لا سيما في الملف الكردي بسوريا، وعلاقة أردوغان حليف روسيا بترامب هي الاخرى أكثر ودا من علاقة الرئيس التركي ببايدن وإدارته.
اما أوروبا التي تعاني انقسامات داخلية حادة وقيادات ضعيفة ربما هي الأسو في تاريخها المعاصر فيزعجها صعود ترامب الذي سوف يتخلى عن دور حامي حمى الديار الاوربية وسوف يمارس مزيدا من الضغوط الاقتصادية عليها لتحمل مسؤولية نفسها وحماية نفسها بنفسها في وقت الاقتصاديات بها متوعكة والعالم يتحول فيه تدريجيا لنظام تعدد الأقطاب وإقامة تحالفات جديدة بعد انفراد امريكي سنوات عديدة بحكم العالم.
الدول العربية التي تعيش في وهم ان الإدارة الأميركية الجديدة معها عصا سحرية قادرة على فعل المعجزات بها قد تنسى موضوع البريكس وسحره وتعود من جديد للمظلة الأميركية مخدوعة بعلاقة ترامب بروسيا والهدنة المؤقتة مع الصين وربما نما الوهم في عقولهم أكثر ان الولايات المتحدة سوف تكون هي الأخرى عضوا بالبريكس بعد محاولات تركيا عضو النيتو الانضمام اليه! وان كان لا يستبعد ان تبتلع الولايات المتحدة هذه الاتفاقية إذا وجدت انها سوف تهز عرشها يوما او انها ستهدد وهم الديمقراطية الذي تغني علينا طوال الوقت به.
الخلاصة ان اعتماد الديمقراطيين على رئيس ضعيف ونائبته الأضعف أطاح بهم ولم يشفع لهم وجود باراك أوباما في الكواليس، المرحلة حرجة على كل الأصعدة والثقة بوعود ترامب الانتخابية سابق لأوانه فالواقع له حسابات أخرى والدول العربية إذا لم تجد موقعا مناسبا لها في الجملة سوف تبقى مفعولا به أتمنى ان احيا لليوم الذي اجدها فيه فاعلا او مفعولا لأجله.