بقلم الأستاذ /محمود العمدة
لقد ظهرت في مجتمعاتنا ظواهر يندى لها الجبين ، وتؤلم القلوب ، ألا وهي الأخطاء التي يرتكبه الآباء والأمهات في تربية الأبناء ، ولا يدركون مدى فداحتها ، وخطورة الآثار المترتبة عليها فيما بعد من انعدام للأخلاق ، وتغيرات في السلوك عند الأجيال جيلاً بعد جيل ، من ذلك غياب الرقابة على الأبناء وخاصةً عندما يبلغ الابن سن الرشد فيعطيه الآباء حريةً مطلقةً فيسب هذا ، ويشتم هذا ، ويتطاول على أعمامه تارةً ، وعلى أخواله أخرى ، ويتعود على الكذب والنفاق ، وسب الأديان – عياذاً بالله – ، وما ذلك إلا لأن الآباء قد تركوا له الحبلَ على الغارب – كما يقولون – حتى آل الأمرُ إلى أن طالهم سوء خلقه ، وتجرأ عليهم ، وجازاهم على صنيعهم عقوقاً ، ومن وجهة نظري المتواضعة أرى أن الأب والأم شركاء في هذا الأمر مع الابن كي لا نحمله المسئولية كاملة ، فتجد – وللأسف – بعض الأمهات تحمل أبناءها وهي جالسة مع جاراته وتقول له : اشتم فلانة ، وابصق على وجه فلانة ، وهي مسرورة بذلك ، فتغرس في طفلها قلة الاحترام ، وسوء الأخلاق ، وكذلك الأب عندما يجد ابنه قد شبَّ يعطيه حجماً أكبر من حجمه ، وصلاحيات ما كانت تُعطى لمثله في هذا السنِّ ، ويوهمه بأن كل ما يفعله صحيحاً ، وكل ما يقوله صواباً ، ولا يشاوره ولا يوجهه الوجهة الصائبة ، كم يعوّده على الكذب فعندما يأتيه ضيف لا يريد مقابلته يقول لابنه : اخرج ، وقل له : إني لست موجوداً ، فيرجع الطفل ليجد أبيه مبتسماً فرحاً بصنيعه ، فيحاول إسعاد أبيه فيكذب كثيراً حتى يصبح الكذبُ سجيّةً عنده ، وخلقاً أصيلاً لديه .
ومما تجدر الإشارة إليه أن تدارك هذه الأخطاء وتفاديها يكون عن طريق مما يلي :
1– تشديد الرقابة على الأبناء ، وعدم ترك الحبل لهم على الغارب ، ولنا في سيدنا زكريا – عليه السلام – الأسوة والقدوة ، فها هو يقول للسيدة مريم العذراء على صلاحها ، وقد وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف : { أنى لك هذا …. } سورة آل عمران آية – 37
2– تربية الأبناء على الصدق وغرسه في نفوسهم ، وتطبيق ذلك واقعاً عملياً يلمسونه في تعاملات آبائهم وأمهاتهم .
3- انتقاء الألفاظ أمام الأطفال ، وتعويدهم احترام الكبير وتقديره ، والإحسان إلى الناس ، ومعاملتهم معاملة حسنة .
4– إشعار الأبناء بأنهم محل تقدير واحترام من والديهم ، وتشجعيهم ، وحثهم على الجد والاجتهاد والتحلي بمكارم الأخلاق ، والدعاء لهم بدلاً من الدعاء عليهم ، قال – صلى الله عليه وسلم – : ” لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعو على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يُسألث فيها عطاءً فيستجيب لكم ” رواه مسلم .
5– برُّ الأبناء من قبل الآباء ، ورضي الله عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما جاءه رجل يشكو إليه عقوق ولده، فأمر عمر بإحضار الولد، وأنّبَ عمر الولد لعقوقه لأبيه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟! قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ـ أي:القرآن ـ، قال الولد: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك؛ أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا، فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته من قبل أن يعقَّك، وأسأت إليه من قبل أن يسيء إليك .
بهذه الأمور يمكن للآباء والأمهات أن يتداركوا ما وقعوا فيه من أخطاء في تربية الأبناء ، فيقدموا للمجتمع جيلاً يفتخر به ، ويكونون سواعد بنّاءة في صرح الحضارة .