منظومة الضرائب المصرية:
نحو إصلاح شامل لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية
مصطفى ممدوح يكتب
تُعدُّ منظومة الضرائب المصرية أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة
إذ تلعب دورًا حيويًا في دعم الموازنة العامة للدولة وتوفير الموارد المالية اللازمة
لتنفيذ المشروعات القومية الكبرى التي تسهم في تحسين حياة المواطنين. إن تطوير منظومة الضرائب في مصر ليس مجرد رفاهية
بل هو ضرورة مُلحّة لتحقيق الشفافية والكفاءة في إدارة موارد الدولة، وضمان العدالة الاجتماعية بين المواطنين.
ومن هذا المنطلق، يأتي الحديث عن تطوير هذه المنظومة بوصفه مشروعًا وطنيًا يتطلب تضافر جهود كل المؤسسات والجهات المعنية لتحقيقه.
إنَّ تطوير منظومة الضرائب المصرية يتطلب رؤية شاملة تتضمن تحديث البنية التحتية التشريعية والفنية وتعزيز التكنولوجيا المستخدمة في جميع مراحل العملية الضريبية
بدءًا من تسجيل المكلفين وانتهاءً بتحصيل الضرائب. وقد بدأت مصر بالفعل خطوات جادة في هذا الاتجاه
من خلال إطلاق عدد من المبادرات التي تستهدف التحول الرقمي في المنظومة الضريبية
الأمر الذي أسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة تحصيل الضرائب وتقليل التهرب الضريبي. ومع ذلك
فإن هذه الخطوات تحتاج إلى استكمال وتعزيز لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
تعدُّ الرقمنة أحد أهم المحاور التي يجب التركيز عليها في عملية تطوير منظومة الضرائب.
فالتحول إلى النظم الإلكترونية يسهم في تسريع وتيرة الإجراءات وتقليل العبء الإداري على الممولين والمكلفين.
كما أن استخدام التكنولوجيا المتقدمة يتيح للدولة متابعة النشاط الاقتصادي بشكل أكثر دقة
مما يساعد على تحديد القيمة الحقيقية للضرائب المستحقة.
إن تقليص الفجوة بين الضرائب المفروضة وتحصيلها الفعلي يتطلب تطوير أنظمة إلكترونية متكاملة تُسهل التواصل بين مصلحة الضرائب والممولين من جهة
وتتيح من جهة أخرى للدولة مراقبة الاقتصاد غير الرسمي وإدماجه في المنظومة الاقتصادية الرسمية.
على صعيد آخر، يُعتبر تدريب الكوادر البشرية وتطوير مهاراتهم أحد العناصر الأساسية في عملية الإصلاح.
فالعامل البشري هو الأساس في أي منظومة ناجحة
ولذلك يتعين توفير برامج تدريبية متطورة تُسهم في رفع كفاءة الموظفين العاملين في مصلحة الضرائب وتمكينهم من التعامل مع التحديات التي تفرضها عمليات الرقمنة.
كما أن التحول إلى النظم الإلكترونية يتطلب موظفين مؤهلين قادرين على استيعاب هذه الأنظمة وتشغيلها بكفاءة عالية.
إلى جانب ذلك ينبغي إعادة النظر في التشريعات الضريبية لتتماشى مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. إن تبسيط الإجراءات الضريبية وإعادة هيكلة القوانين المنظمة لها يعدُّ أمرًا ضروريًا لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية
حيث أن وجود نظام ضريبي شفاف وعادل يساهم في تحسين مناخ الاستثمار.
كما أن تبسيط الإجراءات يساهم في تقليل الأعباء على الممولين ويسهل التزامهم بالواجبات الضريبية دون تعقيد، مما يعزز من ثقتهم في النظام ويقلل من حالات التهرب الضريبي.
إن تحسين العلاقة بين الممولين والدولة يُعتبر أيضًا من العوامل الحاسمة في تطوير المنظومة.
فعلى الدولة أن تسعى إلى بناء جسور الثقة مع الممولين من خلال توفير حوافز ضريبية للمؤسسات الملتزمة، وضمان تقديم خدمات ذات جودة عالية
بما يشجع المؤسسات والأفراد على الالتزام بسداد الضرائب.
كما ينبغي تعزيز مفاهيم الشفافية والمساءلة في المنظومة الضريبية لضمان تحقيق العدالة الضريبية ومساواة جميع الممولين أمام القانون
سواء كانوا من الأفراد أو الشركات الكبرى.
التطوير الشامل لمنظومة الضرائب في مصر لا ينبغي أن يقتصر فقط على البنية التشريعية والتكنولوجية
بل يجب أن يشمل أيضًا تحسين الوعي الضريبي لدى المواطنين.
فالضرائب هي أحد الأدوات الرئيسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات العامة التي يستفيد منها الجميع.
لذلك من الضروري أن يكون هناك برامج توعوية مستمرة تسلط الضوء على أهمية الضرائب ودورها في تحسين مستوى المعيشة
وتشجع المواطنين على المشاركة في تحقيق التنمية من خلال التزامهم بالواجبات الضريبية.
وفي ختام هذا التحليل يمكن القول إن تطوير منظومة الضرائب المصرية يتطلب تكامل الجهود بين الحكومة والمواطنين والمؤسسات الاقتصادية.
إن بناء منظومة ضريبية متطورة لا يقتصر فقط على تحسين تحصيل الضرائب
بل هو خطوة أساسية نحو تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
ومن خلال تعزيز التكنولوجيا، وتطوير التشريعات
ورفع كفاءة العاملين، وزيادة الوعي الضريبي
يمكن لمصر أن تحقق قفزات نوعية في مجال الإدارة المالية للدولة، مما يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي.