مدد ماسي
بقلم: أسامة حراكي
ـ إن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً.. أبو بكر الصديق.
ـ الكلام نوعان، كلام فارغ وكلام لا يعاني .. إميل سيوران.
ـ يتكلم بعض الناس أثناء نومهم، أما المحاضرون فيتكلمون أثناء نوم الآخرين.. ألبير كامو.
ـ الكلام مرآة العقل.. سنيكا الأكبر…
حين يتكلم معنا أحد عن أحد آخر بنميمة نحاول تغيير الموضوع بموضوع آخر والتحدث عنه، أو ببساطة يمكننا الرد عليه بابتسامة عريضة والقول: “لا يعقل أن يكون فلان سيئاً إلى هذه الدرجة ربما نبالغ في الأمر.
فالكلمة الطيبة أطول عمراً وأكثر بقاء واستمرار في الزمن، والكلمة الطيبة التي جاء في الحديث الشريف أنها صدقة، تُسهم بشكل أعمق في النقد البناء، وتدفع الآخر إلى تقبله والتفاعل معه أكثر من النقد الجارح القاسي، الذي لا يؤدي سوى إلى خلق نوع من الجفاء والتنافر بين الناقد والمنقود.
أحياناً نضطر بالرد بالكلمات الصعبة أو السيئة بسبب عمل أو فعل كبير من أحد، فهنا لا تصح الموازنة والمقابلة بين الكلمة وذلك العمل، فأناقة لساننا هي ترجمة لأناقة أفكارنا، فلا ترفعوا أصواتكم بل ارفعوا مستوى كلماتكم، ولا تبيعوا هيبة الصمت برخيص من الكلام.
لولا تفتح الوعي على الكلمة المقروءة، لما كان للحياة هذا المعنى العميق والجميل على الرغم من كل الأحزان والمآسي التي نمر بها، فالكلام هو اللغة التي هي جوهر ما نقول ونفعل.
كما عرف العرب مداواة النفس وآلامها وأحزانها بالكلمة المؤثرة وبيت الشعر الجميل، لذا كان بعض الأطباء يوصون بأن تُقرأ أبيات من الشعر، فمن سماوات الكلمات ينزل مدد ماسي تجذب الأسماع بذبذباتها المذابة وهي اللغة والشعر، فكم من كلمات مغناة لا تزال تؤثر في وجدان الشعوب، فكم من أغنيات جميلة كلماتها دخلت القلب من دون إستئذان حتى لو لم نفهم بعضها، ولكن حين نفهم معانيها نشعر بلذة أكبر.
الكلمة هي النغمة التي نحيا بها، والتناغم الذي يحصل بين الكلمة والموسيقى، يغذي الروح ويجعلها تعيش في منأى جميل، والكلمة واللحن يشكلان نبضاً يشبه نبض القلب، من حيث المعنى الذي ينتج الحياة، وعلاقة الكلمة بالموسيقى وثيقة جداً، وهما يشكلان حركة بناء في الحياة، والكتابة عن الموسيقى تشبه الموسيقى نفسها من حيث التأثير في النفس.
الكلمة هي المعنى الذي نتبلغه من ذواتنا ومن الآخر، فعلينا أن لا نستخف بأهمية الكلمة ومقدرتها على صناعة المستحيل، وأن نؤمن بالكلمات وبتأثيرها السحري والعميق في قائليها ومتلقيها في آن واحد، ولا نقلل من أهميتها أبداً، ولئن كانت هذه هي حال الكلمات الشفوية، فما بالنا بما هو مكتوب ويمكن الرجوع إليه كل حين، وقتها تغدو الكلمة طوق نجاة أو خنجر غدر.