متى نقفز ؟
بقلم: عمر الشريف
إذا وضعنا ضفدعاً في قدر ماء على نار متوقدة فإن هذا الضفدع يظل ساكناً محاولاً التأقلم مع درجة حرارة الماء التي ترتفع مع مرور الوقت، إلى أن يفقد الضفدع فجأة القدرة على الحركة والقفز خارج الماء عندما يبدأ بالغليان، ويعود السبب في ذلك حسب تلك المقولة أن الضفدع قد فقد القدرة على القفز من خلال محاولته التكيف والإنسجام مع الوسط المحيط الذي أفقده في النهاية قدرته على النجاة بنفسه من موت محقق.
فالتكيف كما قيل إنما هو من سمة العقلاء، وهو سر اندماج الفرد مع المجتمع مما يعود عليه بالسعادة والراحة النفسية في حياته من جراء حصول مثل هذا التوافق بينه وبين أفراد هذا المجتمع.
ولكن هل يوصف التكيف بالعقلانية دائماً؟ وهل يُعتبر الانسجام مع الغير ومراعاة الواقع والبيئة أمرٌ يتصف بالحكمة والرشاد في كل الأحوال؟
من حيث المبدأ يعتبر التكيف سمة إيجابية للإنسان كونه مخلوق اجتماعي بطبعه لا يمكن أن يعيش وحيداً، وخصوصاً أننا نعيش في أوساط مجتمعية من حولنا لها قيودها وشروطها المختلفة، فالتكيف وفق هذه الصورة يحمل الإنسان على الإنسجام مع الآخر وعدم الصدام والعدائية والوقوع في كثير من المشكلات، كما أن القدرة على التوافق والتأقلم شرط أساسي لأي شخص يريد العمل ضمن فرق العمل التي تسعى للنجاح في بناء مشاريعها في كثير من المجالات.
فهذا نسمّيه تكيف إيجابي؛ لأنه انسجام وتوافق يكون مع قاعدة صحيحة أو عمل بنّاء مثمر أو منطق سليم، وهو يختلف كثيراً عن ذلك التكيف الذي يكون مع الخطأ والشذوذ على حساب المبادئ والعقل السليم، فعندما ينسجم المرء أو يحاول التأقلم مع ما يخالف مبادئه وقناعاته الفكرية فهذا لا يمكن أن يكون إلا نفاقاً مفضوحاً لجلب مصلحة وانتهاز لفرصة سانحة، وهو ما يجعله صغيراً مهاناً عند نفسه وعند من ينافقهم ولو حصّل لنفسه الكثير من المصالح المؤقتة، وهو لا شك سيرمى به في النهاية كما سبق ورمينا ذلك الضفدع النافق الذي احترق من جراء تكيفه مع وسط فاسد.